د.عبدالله حميد العتابي
تابعنا بشغف خلال الايام القلائل الماضية مثول الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب امام محكمة مانهاتن الجنائة في نيويورك، اذ وجهت اليه رسميا تهما بتزوير وثائق محاسبية ودفع أموال لامرأتين مقابل صمتهن عن علاقة سابقة لمنع تاثر حظوظ ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016، وهي سابقة في منظور بعض خبراء القانون الدستوري؛ لأن المدعي العام بمانهاتن خرق قاعدة سياسية ظلت قائمة لاكثر من 230 عاما؛ لأنه وجه اتهاما لرئيس سابق ومرشح حالي تحت طائلة لا أحد فوق القانون، والعبارة الأخيرة لا أحد فوق القانون تعني بجملة ما تعنيه أن الولايات التحدة الامريكية دولة مؤسسا، ولعل ذلك سر قوتها وعظمتها على الساحة الدولية. ولنا أن نتساءل ما مفهوم دولة المؤسسات؟ ومتى سيصبح العراق دولة مؤسسات؟ يُطلق على دولة ما اسم دولة المؤسسات حينما يكون هناك استقلال حقيقي لسُلطة الدولة، ويكون هذا الاستقلال ذا صِفة قانونية، وتكون هذه السُلطة ذات طابع قانوني ودُستوري وغير شخصي وتابعة لمؤسسات وليس لأشخاص، ومن المبادئ التي تقوم عليها دولة المؤسسات، هو أن يكون جميع المواطنين مُتساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون، ويجدر الإشارة إلى أنه لا بدّ أن تكون المؤسسات في هذه الدولة هي مؤسسات ممثلة للشعب، وتنحصر مهمة الأفراد في هذه الدولة بالقيام بالإشراف على تنفيذ الخطط، التي تضعها تلك المؤسسات الممثلة للشعب.
بمعنى أدق أن دولة المؤسسات هي الدولة، التي لا تعتمد على الاشخاص في وجودها واستدامتها وبقائها، بمعنى أن الأشخاص والقادة والوزراء يذهبون، لكن دولة المؤسسات تبقى ولا تتأثر بغيابهم، لأنها أسست على قواعد وانظمة واضحة يحتكم اليها الجميع، فالكل يعلم ما له وماعليه، والقوانين تطبق على الجميع، فلا أحد فوق القانون، ولا يستطيع القادة تفصيل وتعديل الحكم والدستور على حسب اهوائهم، بل ضمن القنوات والمؤسسات الشرعية والدستورية المنتخبة من قبل الشعب. وبالعودة إلى عراق ما قبل 2003، فلا بد من استذكار مقولة الطاغية صدام إن القانون مثل (اللاستيكة)، يمكن مطها كيفما نرد، لم يكن يقصد إلى مجرد الفخر والأبهة والعظمة، وإنما كان يقصد إلى أن يقرر حقيقة قانونية تقول إن صدام الرئيس - آنذاك - كانت إرادته الدكتاتورية هي إرادة الدولة، وكانت مالية الدولة تختلط بماليته، وكان صاحب السلطة وليس مجرد ممارس لها.
كان صدام هو القاضي وهو المشرّع وهو المنفذ. وكان يباشر بنفسه بعض الأمور ويترك لعائلته وأقربائه ومساعديه مباشرة الأمور الأخرى الأقل أهمية، ولكن باسمه وتحت إمرته المباشرة وإشرافه، وكان يملك أن يلغي ما أبرموه وأن يبرم غيره، فالأمر في النهاية مرجعه له، ذلك أنه ليس صاحب اختصاص معين، وإنما هو صاحب السلطة نفسها. وأوضح مظهر لذلك أن مال الدولة كان يختلط بماله، وأن ذمته المالية وذمة الدولة كانتا شيئا واحدا. وهكذا لم يكن صدام الدكتاتور مبالغا حينما لسان حاله يقول: "أنا القانون" فقد كان يعبر عن الواقع الذي عاشه شعب العراق واكتوى به. والحديث عن دولة المؤسسات بعد 2003 تكملة سنتطرق اليه في مقال قادم.