مافيات وأدوية

الصفحة الاخيرة 2023/04/17
...

عبد الهادي مهودر

تنشر منظمة الصحة العالمية تقارير مرعبة عن موت مئات الآلاف من البشر سنوياً بسبب الدواء المغشوش، ولا ندري كم تبلغ نسبة العراقيين من تجارة الموت التي تستهدف صحة الإنسان والاقتصاد على حد سواء، حيث تحقق مافيات الدواء في العالم أرباحاً طائلة منها لكن المرضى يخسرون أموالهم وحياتهم في آن واحد حين يشترون الدواء المغشوش بأسعار مرتفعة، ولا تنجو حتى الدول المتقدمة من مافيات الغش الدوائي وإن كان بدرجة أقل من الدول الفقيرة لكونها دولاً مصنّعة للأدوية ومسيطرة عليها ومحققة لأمنها الدوائي، وفي العراق كما في دول العالم المستوردة للدواء تنتشر أصناف عديدة من الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلاحية التي تفتك بالناس وتسرّع بوفاتهم، وفي وقت تزداد حاجة المرضى إليها كمنقذ تتحول الأدوية إلى سم قاتل تتاجر به مافيات الموت، وتأتي خطورتها في العراق من كثرة الدواء المستورد ومن التهريب الذي تعلن عنه هيئة المنافذ الحدودية بين حين وآخر، كما أصبح الدواء سلعة رائجة في السوق السوداء مع ارتفاع أسعاره وبالأخص الأدوية المنقذة للحياة ولمرضى السرطان، وقد كشف رئيس الوزراء في آخر لقاء مع منتجي الأدوية عن استيراد العراق ما نسبته 90 بالمئة من حاجته للأدوية بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنوياً وإنتاج عشرة بالمئة فقط محلياً، مع أن صناعة الدواء في العراق حققت نجاحاً عبر مصنع أدوية سامراء والمصانع والشركات المحلية المنتجة وكان يجب أن يتضاعف إنتاجها كماً ونوعاً ويزداد عدد مصانع الأدوية، ولعل قرار (توطين صناعة الأدوية) في العراق هو واحد من أخطر القرارات التي اتخذتها الحكومة العراقية على طريق منع انفلات الدواء وإطلاق الصناعة الدوائية، وصحيح أن هذا التوجه كان يجب البدء به قبل سنوات عديدة ليقطع مراحل متقدمة لكن اعتباره هدفاً لحكومة السوداني "وواحداً من متبنياتها في برنامجها الخاص وليس شعاراً" كما قال رئيس الوزراء يكشف عن ما يمكن وصفه بمعركة لتوطين الصناعة الدوائية، 

وهي معركة وطنية فوق السياسة والانتماءات لا بديل عن المضي بها لتحقيق هدف (صنع في العراق) الذي يهدد بطبيعة الحال مصالح المتاجرين بالأدوية الفاسدة ويهدد المستفيدين من موت الصناعة الوطنية ومن تحويل العراق إلى ممر ومقر لمافيات الدواء بعد مافيات المخدرات وإلى سوق لتصريف منتجات الدول القريبة والبعيدة ومجرد (مول) كبير.