سناء الوادي
نعم ومن جديد أثبتت التسريبات الأمريكية مؤخراً على قوّة الاستخبارات في الوصول لمعلوماتٍ دقيقة من داخل الغرف الخاصة لقيادات الدول الحليفة لها قبل المعادية، ولكن في الوقت ذاته هنالك ما يدعو للاستغراب أنه وبعد مرور قرابة العشر سنوات على تسريب إدوارد سنودن الملقب (الخائن المحبوب) للوثائق المتعلقة ببرنامج prism الخاص بالتجسس من مكتب الأمن القومي أثناء عمله فيه واطلاعه عليها
والتي كانت تخص مراقبة كلّ ما هو موصول بالإنترنت وهو ما أرخى بظلاله الغاضبة على الداخل الأميركي قبل الخارج، ناهيك عن الفضيحة التي طالت وكالة nsa الكبرى للتجسس بعد اتهامها بالتنصت على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عام 2021م، وذلك ما قد يعني وجود إجراءات لحماية المعلومات فائقة السريّة أكثر فاعلية من ذي قبل.
بيدَ أنّ الإفصاح عن هوية الشخص المسرّب للوثائق الأخيرة والبالغ من العمر 21 عاماً أمرٌ يثير التساؤل عن كيفية وصول شخص يعمل في قاعدة عسكرية لبيانات معدّة لرئيس الأركان والبنتاغون دون مساعدة نافذ من داخل أروقة وزارة الدفاع، أو تعمّد تسريب جزء صحيح من المعلومات وتخليلها بما هو كاذب لخلط الأوراق الدولية وممارسة الابتزاز العلني على بعض الدول الصديقة للولايات المتحدة لمزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، ومن جهةٍ أخرى إشغال الإعلام والرأي الشعبي الداخلي الأمريكي عن المزيد من الخسائر الناتجة عن تفاقم البصمة العسكرية الخارجية لها.
وفي هذا السياق وعند الوقوف مليّاً على مضمون الوثائق المسربة خاصة في الجزء المتعلق بأوكرانيا، نجد أنها تحمل اعترافاً صريحاً وواضحاً بضلوع أميركا ودول أخرى من حلف الناتو بالجيش الأوكراني وذلك من خلال التجهيز الشامل لهجوم الربيع المضاد على القوات الروسية وموعد هذا الهجوم المقرر أواخر أيار المقبل، ووجود جنود لدول تنكر حتى هذه اللحظة ذلك الأمر، ناهيك عن كم التناقض التي تحمله في طياتها من جهة تدريب 12 لواءً وتجهيزهم بالتدريب والسلاح ومن جهة نفاد القذائف الصاروخية ومكمن الضعف الدفاعي الجوي الأوكراني، ما يجعل السماء مفتوحة ومتاحة أمام الضربات الجوية الروسية، وهذا ما يفاقم من الشك بتعمّد تسريب وثائق منقوصة أو غير دقيقة، بينما أثبتت صحة المعلومات الاستخباراتية حول تحركات القوات الروسية وهو ما كانت تنقله لكييف ولربما ذلك يفسر التعثر الحاصل عند موسكو في التقدم طيلة الأشهر الماضية.
وطالما أنّه بات من المؤكد اختراق أميركا لكثير من الدول، فقد وضعت التسريبات الأخيرة تلك الدول التي ورد اسمها ضمن تلك القائمة التي فاقت الخمسين وثيقة في موقف حرج أمام شعوبها، كيف لا وهي المتصدرة للديمقراطية بالوقت الذي لم تستأذن فيه لإرسال الجنود لأوكرانيا، ومارست الخديعة والتضليل بأبشع صورها، عندما صورت الوضع العسكري الأوكراني على أفضل حال وذلك لاستمرار التأييد الشعبي الغربي لتلك الحرب، التي يعانون من تبعية آثارها نيابة عن الرغبة الجامحة عند أمريكا لاستنزاف المنافسين على قيادة العالم وتقويض قدراتهم.
ذلك قد يخلق في قادم الأيام أزمات دبلوماسية بينها وبين حلفاءها، حيث سيعملون جاهدين لتلافي سلبياتها وقد يضع الثقة في زاوية ضيقة خانقة فيما يتعلق باستمرار الدعم لكييف من عدمه، ومن اللافت تكهّن بعض المحللين السياسيين بأن تسريب هذه الوثائق في توقيت كهذا من شأنه أن يقوّض جهود حسم الصراع ويطيل من أمده.
وللجانب الشرقي من العالم نصيب من المعلومات الجاسوسية، فالعين المراقبة للصراع الصيني الأمريكي كانت تتلهف لمعرفة نوعية التحركات الأخيرة، لترصدها عند التنين وخاصة تطور السلاح الصاروخي ومن بين الوثائق ما يخصّ صاروخ (d5 بمدى 6500كم) وتأكيدهم بأنه سيهدد منظومة الدفاع وسلاح البحرية الأمريكية.
ما زالت سلسلة التسريبات مستمرة من زمن بعيد وبالطبع هناك غاية من ورائها ستكشفها الأيام قد تكون غير متوقعة وقد تتمحور في إطار حرب مخابراتية لضرب إسفين لعلاقة روسيا مع حلفائها، كالضغط على إسرائيل لتزويد كييف بأسلحة مؤثرة وفعالة وما يقابله من الرد الغاضب للدب الروسي بتزويد إيران بالأسلحة المماثلة، وتقييد حركة إسرائيل في الأجواء السورية بتطوير الدفاعات الجوية السورية.