عودة سورية إلى الفضاء العربي

آراء 2023/04/19
...

 ميادة سفر


ثمة تصاعد في الحراك العربي لإعادة سورية إلى الحاضنة العربية بعد سنوات من القطيعة، تخللتها الكثير من الأزمات التي تأثرت بها أغلب الدول العربية، دول وجدت الطريق إلى السلام والاستقرار هو الأفضل من بين كل الطرق التي سلكتها لاسيما في العقد الأخير، وأنّ التقارب العربي العربي لا بدّ منه درءاً لكثير من الأخطار والمخاطر التي تتهدد شعوبها، بدءاً من الأزمات السياسية والأمنية وصولاً إلى الاقتصادية التي أرهقت كثيراً من شعوب المنطقة، إلى المشكلات الاجتماعية بكل جوانبها، سواء المتعلقة بالفرد أو بالمجتمع ككل، من انتشار المخدرات والجرائم والثقافات المخلة بأمن المجتمعات، الأمر الذي مهد الطريق إلى فتح قنوات للحوار، بدأت تدريجاً لتصل إلى لقاء بين وزيري خارجية سورية والسعودية مؤخراً، البلدان اللذان طالما كانا المحرك الأساسي إضافة إلى مصر والإمارات العربية المتحدة لكثير من القضايا وعاملاً مساعداً في حلّ كثير من الملفات العالقة بين الدول العربية.

مع انطلاقة ما سمي «الربيع العربي» وما تبعه من أحداث أمنية في سوريا، أدت إلى ما أدت إليه من قتل ودمار وتدمير للبنى التحتية وإفقار وتشريد آلاف السوريين، اتخذت كثير من الدول العربية مواقف ضد الدولة السورية وقطعت العلاقات وأبعدت سوريا عن الجامعة العربية وهي أحد الأعضاء المؤسسين فيها، الأمر الذي أبقاها وحيدة إلا من بعض الحلفاء تواجه مصيراً مجهولاً وأعداءً من كل أنحاء الأرض، لتتمكن بعد سنوات من إعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من أراضيها التي كانت تحت سيطرة التنظيمات المسلحة، التي تلقت دعماً معلناً مادياً ومعنوياً من دول كثيرة.

اليوم وبعد كل سنوات القطيعة العربية مع دمشق، يبدو أنّ القناعة بجدوى السلام قد نضجت لدى كل الأطراف، الذين أيقنوا أن لا فائدة ترجى من استمرار الخلافات والعداوات، ففي عالم السياسة لا عدو دائما ولا صديق دائما، عالم تحكمه المصالح وتسيره المنافع لكل الأطراف، فكان لا بدّ من ترسيخ أسس التقارب والمصالحات عبر سلسلة من اللقاءات بدأها الرئيس السوري بشار الأسد ولن يكون آخرها لقاء وزراء الخارجية في جدة، الذي تمخض عن بعض الاتفاقات لحل الأزمة في سوريا وإعادة العلاقات الدبلوماسية وملفات اللاجئين، وغيرها من قضايا تهم سوريا كما غيرها من الدول العربية.

كل المؤشرات تشير إلى توجه وانفتاح عربي تجاه سوريا وإقبال على تفعيل العلاقات معها، من خلال كل التحركات والمشاهدات التي يتم الحديث عنها والتي تؤشر إلى إرساء تفاهمات جديدة بين كل الأطراف، تسهم في نهاية المطاف في تعزيز الوجود العربي على مستوى العالم ما أمكن، وتمكين التكامل الاقتصادي بين الدول العربي، بما ينعكس إيجاباً على دعم عملية إعادة الإعمار في سوريا، وخلق مناخ سياسي وأمني يسهم في تعزيز الثقة للمستثمرين العرب في العودة إلى دمشق، والذي بدأته الأخيرة عبر سلسلة من القوانين والمراسيم التشريعية، التي من شأنها تسهيل الاستثمار ودعمه وتشجيعه.

لا شكّ أن التقارب العربي مع سوريا يشكل بوابة الخلاص لكثير من المشكلات، التي عانى ويعاني من المواطن السوري، كما يشكل منطلقاً لتقاربات أخرى على المستوى الإقليمي والدولي، وإن كان يتطلب كثيراً من الوقت لينضج وتكتمل صورته، إلا أنه لابدّ آت وإن طال الزمن، فالعداء العالمي لبلد مثل سوريا بما تمثله من موقع جيوستراتيجي لم يعد ممكناً الاستمرار به، نظراً للتكاليف الباهظة لجميع الأطراف وفي شتى المجالات.