صُنع في الصين

آراء 2023/04/19
...

 عباس الصباغ 

لم يكن العنوان ترويجا لماركة صينية أو تسويقا للسياسة الصينية الفعالة، في ظل النكوص الأمريكي والأوروبي عن تخوم الشرق الاوسط، بل الحديث حول الاصطفافات الجيوسياسية المتناغمة تحت العباءة الصينية وبما يتوافق موضوعيا بين أمن الدول المعنية القومي ومصالحها الجيوستراتيجية من جهة، وبين المصالح والأطماع الصينية من جهة اخرى،

والصين ليست جمعية خيرية، كما أنها ليست وحشا امبرياليا، بعد فشل القطب الأوحد في امركة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية،وكما افترض المفكر الامريكي (يوكوهاما) بأن هذا هو العصر الأمريكي (أمركة العالم) والليبرالية هي نهاية عصر العالم.

نظرية لا مصالح دائمة ولا عداوات دائمة تيسّر العلاقات الدولية يمكن ان تنطبق على جميع تلك العلاقات، ويمكن أن يضاف اليها لا “أقطاب” دائمة ايضا، فالغرور الامبريالي والتوحش الاستعماري، الذي ساد توجهات السياسة الامريكية اضافة إلى أخطائها، الستراتيجية “القاتلة” كغزو العراق بالاعتماد على تقارير استخباراتية مضللة، أو لنقص في الكفاءة المشوبة بمزاجوية لا ينبغي لأقوى دولة في العالم ان تتصف بها وهي راعية “الديمقراطية الليبرالية”، كما تدعي فبعد انزلاقها في حرب فيتنام (1955 ـ 1975)، التي اركست امريكا في الحضيض فلم تستفد من أخطائها الباهظة، وراحت تنزلق مرة اخرى، وهذه المرة في مستنقع الشرق الاوسط وتحديدا في العراق ولأسباب لم تستطع اقناع الرأي العام العالمي فضلا عن الامريكي بها، فجاء التغيير النيساني المزلزل، ولحقت به اخطاؤه المزلزلة ايضا والتي دفع العراقيون ثمنها غاليا من دماء أبنائهم، ومن فرص تقدمهم ومن بناهم التحتية وشواخصهم المعمارية عكس ما وعد به الرئيس (بوش) الابن العراقيين، بأن يحوّل بلادهم إلى “واحة” للديمقراطية، أي أن دعوى الغزو كانت قائمة على اباطيل وأضاليل، يضاف اليها التجربة الديمقراطية غير الناضجة والتي أرساها الحاكم المدني (بول بريمر)، والتي ابتدأها بما يسمى بـ(مجلس الحكم)، والتي اسست لجميع المصائب المحاصصاتية التي مر بها العراق حتى 

الآن.

الصين تعدّ العالم العربي شريكا محوريا وستراتيجيا في مشروع الطريق والحزام الجديد, حيث تقدمه كقناة لتسهيل التبادل التجاري والدفع نحو تنمية اقتصادية مشتركة، لذا فلا عجب أن تنتهز الصين حالة النكوص الأمريكي وأخطاء الإدارة الامريكية، وتحاول أن تملأ الفراغ وتقفز إلى الواجهة كبديل موضوعي (قطب)، فقد تبنت تشكيل منظمة (شنغهاي) للتجارة، كما رعت منظمة (البريكس) بالتعاون مع روسيا والهند وجنوب افريقيا (والبرازيل بالعملة الوطنية وليس بالدولار).

ماليا فقد أقرضت الصين مئات المليارات من الدولارات لتشييد البنية التحتية في بلدان نامية بهدف تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، إضافة إلى بناء موانئ وسكك حديد ومطارات ومجمّعات صناعية بما يتيح للصين الوصول إلى المزيد من الأسواق وفتح منافذ جديدة لشركاتها، ومن منجزات الصين بناء أكثر من 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وجذبت هذه المناطق مئات الشركات باستثمارات إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، كما بلغ حجم التجارة بين الصين وأفريقيا نحو 254 مليار دولار في عام 2021، ورغم ذلك فإن دخول الصين بثقلها الجيوبولوتيكي في منطقة الخليج العربي، قد حظي بالاهتمام العالمي الأكبر بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة كمورد عالمي للطاقة، الصين عملاقٌ سكانيٌّ واقتصاديٌّ وعسكريٌّ تتحرك على الساحة الدولية اعتماداً على قوة ناعمة هائلة ترتكز على مبادرة “الحزام والطريق”، حيث تمتد استثماراتها وأنشطتها من شرق آسيا حتى أوروبا، وتشمل أيضاً القارة الإفريقية ومنطقة الشرق الأوسط، وقد انضم إلى هذا المشروع أكثر من 150 دولة.

وما الاتفاق المبرم بين السعودية وايران إلا مظهر من مظاهر الفاعلية الصينية، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي الصين منافساً ستراتيجياً.

إنه عصر الصين ذو القوة الناعمة وليست الليبرالية المتوحشة ذات الارشيف الاستعماري غير الإنساني.