أين ينام الرقيب الداخلي؟

آراء 2023/04/26
...

  رعد كريم عزيز 


كلما حضرت أمسية ثقافية أو فنية في أي محفل أدبي أو فكري، وحين يفتح النقاش وإبداء الرأي من الجمهور، تثار الأسئلة الباردة، التي لا تحرك ساكنا، والتي لا تضيف جديدا للمحاضرة وأفكارها, ناهيك عن طول مدة النقاش، التي تسبب الملل، وهذا الخلل التنظيمي يتكرر كل مرة بطريقة أو أخرى، مما يدفع بالقائمين على المكان وادارته إلى الاشارة للوقت المحدد للنقاش، وعدم فتح الوقت بدون حدود. 

وثمة شخصيات تعيش الحالة الشفاهية بمداها الأوسع، فهي تناقش في كل اختصاص، وكأن هذه المحافل هي السبورة الوحيدة التي ينقشون عليها، ما يعتمل في داخلهم من حب للظهور، وآخر يستدرك في نهاية المحاضرة, كي يستفرد بالمحاضر والمناقشين، بعد أن وضحت الصورة واستلم مفاتيح القول من الآخرين، ليجهز على ما تبقى من حلاوة الاكتشاف والمعرفة، التي يجهد المحاضرون لتقديمها بخبرتهم وحبهم للمعرفة. 

وما أن يعلن مقدم الأمسية انتهاء الفعالية، وينهض الحاضرون، حتى تتحرر الافواه والعقول، وتظهر الاراء الخفية، بين اثنين أو ثلاثة، وهم يعربون عن افكارهم، التي سكتوا عن الافصاح بها اثناء الحوار، ثمة رقيب داخلي ينام في قاعة الدرس أو المحاضرة أثناء الوقت الرسمي للنقاش، لكنه ما أن يتحرر من المتابعة والحضور تحت الاضواء فإنه ينطلق بوضوح، مؤشرا بواطن الخلل دون خوف أو قلق، لا سيما إذا أفصح عن آرائه لأصدقائه المخلصين الذين يثق بهم. 

لهذا الأمر جذر في الخوف من القول, والخشية من العواقب فكم من زلة لسان أو تصريح، ذهبت بصاحبها إلى السجن أو حتى إلى حبل المشنقة، لذا تجد أن أكثر الاحاديث صدقا وفاعلية عند الباب، بحجة أن الامر يعود للنسيان، وقد يكون امر حديث الباب، وكأنه وصية أخيرة، فلا ثقة في وجود يوم آخر للقول. 

أي قلق يعيشه الانسان، وهو يحمل أسباب رعبه دون ان يعي تلك الدوافع، التي تحمله أحيانا إلى التحول من مقموع إلى قامع، خاصة حين يصبح، مقدما لمحاضرة، أو إداريا في محفل ما، وسياسة تبادل الأدوار هذه تفعل فعلها في الحياة العامة سياسيا وثقافيا واجتماعيا. 

اننا نحتاج إلى كثر من وقفة لفحص القول وتبعاته، والى إدارة ناجحة حديثة، تبين المقاصد الواضحة لكل جهد ثقافي بحيادية، كي نعتق الرقيب الداخلي ونعلمه على الحرية، بدلا من التسليم بالمقولات الجاهزة، مثل نحن نحتاج إلى رجل قوي كي يقودنا، ونحتاج إلى حزبين فقط في حياتنا السياسية، أو مثل هذه الدراما لا تناسبنا، وهذه الرواية تخدش الاخلاق. إنها مسألة تربية ذوقية عامة, تعرضت للتخريب عبر عقود مضت, لأنها نشأت في المعسكرات والحروب، والرقابة القاسية، التي أضرت بالرياضة والفن والأدب، والحياة الاجتماعية عامة. نطمح إلى تخلص الرقيب الداخلي من قيوده، ليصحو في بيئة سليمة، نرعاها بالتخطيط والاهتمام الجدي لانسان عراقي معاصر، نحرص على عافيته وسلامة عقله من الانحراف.