العودة للأحلام

آراء 2023/04/26
...

 سعاد الجزائري


يتباين مفهومي التغيّر والتغيير بين إنسان وآخر، وفقا للوعي الشخصي، هذا أولا، ومدى إيمانه ووفائه للقيم والمبادئ الأخلاقية والدينية والسياسية، بغض النظر عن أسلوبه في تطبيقها سلبا أو إيجابا، هذا ثانيا، ولضميره الصاحي أو الذي يغط بسبات أزلي، ثالثا، وللمكان أو المنصب الذي يحتله، رابعا، ومدى علو الكرسي، الذي يجلس عليه مقارنة بالكراسي التي حوله، خامسا، ومدى سكره وتأثيره بخمر السلطة، الذي أعدّه أخطر أنواع الكحول، وهذا أخيرا وليس آخر.

يتغير الانسان أثناء مراحل عمره ويتأثر بالمحيط، الذي ينشأ به أو يتبناه قبل أن تتشكل هيئته النهائية، وهذه الفترة هي أشبه بأمواج البحر، التي تحمل في هيجانها الحصى والطين والنفايات وربما أصداف لؤلؤ، والذي يمتلك الخبرة والمهارة الحقيقية يدرك أين يختبئ الجوهر النقي.

التغيّر والتغيير وجهان لعملة واحدة، وبينهما تتعاظم البلدان وتحقق المعجزات، وتقفز عاليا نحو السمو بالبلد، وبالتالي ستحصد الشعوب ثمار هذا التغيير الإيجابي، وقد يغير، مدى علو الكرسي، المسؤول فيتحلى ببدلة أنيقة، باهظة الثمن، وسيارة فارهة كان يحلم بها وهو يقف على ناصية الحياة والشرف، وهو نفسه سيخلع ضميره وقيمه الانسانية مع أسماله ويبدأ بالتغيير، وفقا لكرسيه ومن يجاريه ويجايله في تغييره الكارثي، وهنا، سيحصد الشعب الحصى والطين والنفايات وتعاليم دستور شخصي بعد أن رُكن دستور العدل على رفوف النسيان والاتربة، ويتكدس اللؤلؤ بيد فحام لا يعرف ولم يرَ بريق الجوهر سابقا.

إن البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها الفرد (المسؤول) أثرها الكبير في التغير والتغيير، فمن تربى على القيم الانسانية وأهمية الضمير لا يتخلى عن أصله، لأن من ينكر أصله فهو.....!

أما الذي تغيّر بين ليلة وضحاها، فبين خلو وفاضه وفقره الروحي والمادي، وبين الغنى المترف الذي غرق به دون جهد يذكر، فأنه سيُغرق شعبه بعز الويلات والكوارث، وكلما أنتفخ رصيده زاد جوع الشعب، ولن يتوقف تغييره الكارثي حتى يمتص آخر عملة من الميزانية التي شرعت أبوابها لمن هب ودب، ويمتص أيضا دم الشعب، وبالتالي سيسقط بسهولة تامة، قطرة الحياء التي لم يعد بحاجة لها.

إن أغراء التغير؛ فاحش وفاسق عند الذين تجذبهم أضواء المواخير البراقة، رغم علمهم بالنقيض الذي يحتل داخلها، لأن هؤلاء يحولون السلطة إلى أنياب تفترس الجياع وترميهم عظاما، ثم تلتهم قوتهم، وهنا تتحول السلطة إلى كابوس يجثم على صدر الشعوب، وما أكثر الكوابيس التي مررنا بها، مثل مجنزرات طحنت حتى أحلامنا بوطن حلمنا به آمنا، لنرتكن في زواياه ونسميه عراقنا.

اما البعض الآخر فيرى في التغير والتغيير طريق صعب ومن يسلكه سيترك للاجيال عالما يعيشون فيه واقعا نموذجيا وسيكملون من بدأ بالطريق قبلهم، لكي تُكمل باقي الأجيال، وصولا للحياة الحقيقية وليس الخيال أو الاحلام، كما عاش جيلنا والذي سبقنا والاجيال التي تلتنا، والتي لم تشهد حياتها الا الحروب والحصار لتنتقل إلى الطائفية والمفخخات، والقاعدة ثم داعش لنصل إلى مرحلة لا تغيّر فيها ولا تغيير يُذكر، سوى أننا نعدد الخروق، التي تُرتكب بحق دستور شيعناه وأكل الدود آخر ما تبقى من أوراقه، وعدنا إلى الاتكال على الأحلام فقط..