الموازنة الحكوميَّة والعوامل الموضوعيَّة للنجاح

آراء 2023/04/26
...

 د.حامد رحيم

لا يختلف اثنان بأن الاداء المالي للحكومة منذ عام التغيير السياسي إلى الآن قد فشل بشكل كبير في الوصول إلى تحقيق أهداف المالية العامة المتمثلة في جوهرها بتحقيق (النمو والاستخدام)، العالي للموارد الاقتصادية المتاحة، ويظهر ذلك في المؤشرات الاساسية، فقبالة ايرادات متراكمة ناهزت (الواحد والنصف) ترليون دولار ما زالت مؤشرات الفقر بنسب عالية والبطالة بكل اشكالها في ارتفاع مستمر، ناهيك عن فجوة السكن التي ناهزت الأربعة ملايين وحدة والضعف الشديد في انتاج المشتقات النفطية، وسوء استثمار الغاز

 جهود كبيرة بذلت وما زالت من قبل كوكبة من الأساتذة والمختصين في مجال علم الاقتصاد وبالذات في الجانب المالي، اذ ركزت تلك الجهود (في اطار اطلاعي الشخصي) على تحليل الموازنة الحكومية في جوانبها المالية من ايرادات عامة وابواب الانفاق في المجالات المختلفة، ناهيك عن حجمها الكلي ونسبة العجز المخطط فيها وسعر برميل النفط المقدر وغيرها من البيانات، التي لا داعي لذكرها الآن كونها متاحة للمتابع والمهتم على منصات السادة المختصين، وكلها قدمت تصور عن الكفاءة المالية والفاعلية المفترض تحققها، وهذا الجانب بكل تفاصيله يعبر عن وجهة واحد محدد لعناصر النجاح أو الفشل في الاداء المالي الحكومي، وهو جانب (العوامل الذاتية) في التحليل المالي.

إنَّ المتغيرات الاقتصادية ومن ضمنها الموازنة الحكومية محددة بجانبين تقود في النهاية إلى في تحقيق الاهداف المنشودة، وهذا ما يقدمه التحليل (الكمي) عبر فكرة الدوال الرياضية لذلك سيتم التطرق إلى (العوامل الموضوعية)، اي المتغيرات الخارجية للدالة فيصبح لدينا متغيرات داخلية متمثلة بالعوامل الذاتية المذكورة آنفا، اضافة إلى العوامل التي سيتم سردها في القادم من هذا المقال للوصول إلى التحليل الشامل (الديناميكي).

لا يختلف اثنان بأن الاداء المالي للحكومة منذ عام التغيير السياسي إلى الآن قد فشل بشكل كبير في الوصول إلى تحقيق أهداف المالية العامة المتمثلة في جوهرها بتحقيق (النمو والاستخدام)، العالي للموارد الاقتصادية المتاحة، ويظهر ذلك في المؤشرات الاساسية، فقبالة ايرادات متراكمة ناهزت (الواحد والنصف) ترليون دولار ما زالت مؤشرات الفقر بنسب عالية والبطالة بكل اشكالها في ارتفاع مستمر، ناهيك عن فجوة السكن التي ناهزت الأربعة ملايين وحدة والضعف الشديد في انتاج المشتقات النفطية، وسوء استثمار الغاز الطبيعي وازمة الطاقة المعلقة دون حلول جذرية، بالاضافة لتردي واقع التعليم والصحة وغيرها مما يشير بوضوح إلى هدر مالي غير مسبوق، إطلاقاً منذ تأسيس الدولة في العراق.

إن الموازنة الحكومية الحالية قد جاءت في عواملها الذاتية بصورة لا تختلف كثيرا عن السنوات الماضية، بل بعض المتغيرات جاءت بصورة أكثر سوءا من سابقاتها مثل التحوط في سعر برميل النفط وحجم العجز غير المسبوق وغيرها مما يقدم إنذارا أوليا على احتمالية التحاق هذه الموازنة بسابقاتها من حيث التأثير على الواقع الاقتصادي.

اما العوامل الموضوعية (الخارجية) في الدالة، التي مثلها عنصر (الرقابة)، فيمكن القول إن الموازنة الحكومية، التي تقوم على أساس (البنود)، فإن الركن الأساسي فيها هو هذا العامل، حتى سميت في الأدبيات الاقتصادية (بالموازنة الرقابية)، ويعتمد هذا الجانب على دور الاجهزة الرقابية في تحديد مواطن الهدر والتجاوز على القوانين والضوابط النافذة في الصرف المالي، فإلى الآن لم نشهد أي تحريك للساكن في هذا الملف، اذ ما زال ديوان الرقابة المالية محجم عن الاداء الفاعل عبر قانونه المعدل لعام 2011، الذي سحب منه صلاحيات التحقيق وحوله إلى كاتب تقارير تركن على الرفوف دون جدوى، ناهيك عن دخول هيئة النزاهة ضمن التقسيم الحزبي، لذات طبقة الحكم المهيمنة، ومن ثم كيف لها أن تثير ملفات التجاوز والهدر على نفسها، وهذا ما رافق العمل الرقابي للسنوات الماضية، بالإضافة إلى اقسام الرقابة الداخلية في الوزارات، التي ما زالت تحت السلطة الإدارية للوزير المختص، ما يعني أن لا معالجة فعلية إلى الآن لتفعيل دور تلك الكيانات الثلاثة. 

اما العامل الثاني متمثلا (بالفساد)، فما زال الركن الأساس في استفحاله، وفقا لتقارير الشفافية العالمية فاعلا، وهو المحاصصة الحزبية في تقسيم الكابينة الوزارية، ما يعني أن الهيئات الاقتصادية للحزاب والكيانات، ستبقى هي الرئة، التي تتنفس منها الوزارات في إحالة المشاريع، ما يعني استمرار مسلسل الفساد المستشري اصلا.

يبقى العامل الموضوعي الثالث، الذي مثله عنصر (هشاشة الدولة)، اذ صدر التقرير الاخير ليصنف العراق ضمن المرتبة الثالثة عشرة، وهذا يعني محافظة العراق على تصنيفه السابق مما يعني عدم قدرة الدولة على أنفاد القانون وهيمنة الكيانات الحزبية والدينية والعشائرية على مقدرات الدولة مما يعيق أي جهد تنموي ممكن، أن يحقق للمالية العامة أهدافها المنشودة.

إنَّ الدالة المحددة لكفاءة وفاعلية المالية العامة بعواملها الداخلية والخارجية، ما زالت وفقا لما تقدم مقيدة للدور التنموي المفترض، وهذا يقود إلى الحكم على أن الشعارات والتصريحات الصادرة بخصوص جدوى الموازنة الحالية في تحقيق حلم التنمية لا تتعدى كونها (استعراضا إعلاميا) يفتقر إلى الواقعية.