قواعد اللعبة في المنطقة..هل من جديد؟

آراء 2023/04/26
...







 محمد صالح صدقيان 


خلال وداع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي زار موسكو في العشرين من شهر مارس اذار الماضي أن هناك تغيرات «لم تحدث منذ مئة عام.. عندما نكون معا فاننا نقود هذه التغيرات». هذه العبارة قالها بينغ وهو يهم بالخروج من ضيافة نظيره الروسي بوتين، وهو يعلم ما الذي يكتب للعالم الجديد. 

حتى الآن امتنعت الصين من دخول اللعبة السياسية؛ أنها اكتفت بالجانب الاقتصادي، الذي يريد احتضان العالم وفق توقيت بكين. حتی مسألة هونغ كونغ فانها تتعامل معها بهدوء قل نظيره دون ان تعمل علی رفع حدة الازمة. لأول مرة منذ عقود سمعنا مبادرة صينية طرحها الرئيس الصيني للتقارب السعودي الايراني. مبادرة ناجحة وافق عليها البلدان ادت حتى الان الی لقاءين. الأول أمني بامتياز قادة أمناء مجلس الامن القومي في الرياض وطهران ؛ والثاني سياسي بامتياز قاده وزراء خارجية البلدين لاعادة العلاقات المقطوعة من العام 2016. وكلا اللقاءين كانا في بكين !. 

منذ ذلك الوقت وحتی اليوم شهدت المنطقة تطورات دراماتيكية متسارعة غير متوقعة أو علی الاقل ادهشت المراقبين بسرعتها وبمستواها. زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الی الامارات. عودة العلاقات بين الامارات وقطر. زيارة وزير الخارجية السوري للرياض وقيام وزير الخارجية السعودي بزيارة لدمشق. مصادر تتحدث عن دعوة ربما توجه للرئيس السوري لزيارة السعودية أو المشاركة في مؤتمر القمة العربي الذي يعقد فيها لاحقا. زيارة وفد سعودي لصنعاء ولقاء قادة في حركة انصار الله الحوثية المحظورة سعوديا وحديث عن الاتفاق علی اجندة تفاهمات لانهاء الحرب والذهاب لتفاهم يمني يمني بمساعدة ايرانية عمانية مشتركة. وليس بعيدا عن ذلك تشهد الاراضي الفلسطينية المحتلة تظاهرات مناهضة لرئيس الوزراء نتنياهو الامر الذي اتهم فيه نجل الاخير جهاز المخابرات المركزية الامريكية بتأزيم الاوضاع في الشارع الاسرائيلي للاطاحة بحكومة والده لصالح ايران «علی حد تعبيره»!.

في الكفة الاخری؛ شكلت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب زيارته لبكين علامة فارقة لم نسمع بها من قبل حيال العملة الامريكية والقرار الاوربي والهيمنة الامريكية وملف حلف شمال الاطلسي الناتو. في مقابل ذلك اعتراف رئيس جهاز المخابرات الامريكي ويليم بيرنز بتوجه المجتمع الدولي نحو قطبية متعددة وليس كما كان المحافظون الجدد يراهنون علی القطبية الامريكية المهيمنة علی العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. يجب أن ننسی مثول رئيس امريكي امام المحكمة في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة من قبل.

ما الذي يحصل؟ وماهي مآلات هذه التطورات؟ هل أنها إقليمية بحتة؟ أم أنها امتدادات لتطورات دولية؟ ومن المستفيد منها؟ وبأي خانة تصب؟.

أنا لا أنسجم مع التصور الذي يقول بأفول النجم الامريكي لأن واشنطن ما زالت تمتلك عوامل القوة في الاقتصاد والسياسة والامن ؛ لكن الاكيد انها لم تعد كما كانت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. وهذه الارهاصات التي نلمسها حاليا في السياسة والاقتصاد والامن في مواقع متعددة من العالم، هي من تداعيات ضعف الاداء الامريكي. البعض يعتقد ان مرد ذلك يرجع الی ضعف حكومة الرئيس بايدن. هذا صحيح لكن يجب علينا التذكير أن الرئيس السابق دونالد ترامب الذي كان يحمل الخطاب الشعبوي بامتياز، وكأنه يريد ان يعيد سرديات عنترة بن شداد في الحماسة الا انه سكت أو تغاضی عن ضرب الايرانيين طائرة امريكية في مضيق هرمز دون ان يرد عليهم.

الاعتقاد السائد أن واشنطن ما زالت تملك من عناصر القوة ما يجعلها تفرض هيمنتها علی العالم، كما تفعل حاليا مع أوروبا؛ لكن موقف ماكرون بعد زيارته للصين أظهر أن السياسة الأمريكية مع أوروبا، لا يمكن لها الاستمرار لأنها لم تعد اللاعب الوحيد في العالم. وان حيوان الداينوصور – يقول علماء الجيولوجيا – لم يقتله ضعفه وانما قتلته قوته!.

استنادا إلی ذلك وعلی عوامل جيوسياسية دولية قبلت واشنطن علی المبادرة الصينية، التي أعطت الضوء الأخضر للرئيس الصيني في اجتماع قمة العشرين في اندونيسيا في نوفمبر الماضي لطرح مبادرة التقارب السعودي الايراني من أجل تهدئة منطقة الشرق الأوسط. 

حركة الجسد والاستقبال التي ابداها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للرئيس الأميركي علی مدخل قصر المؤتمرات في الرياض كانت واضحة في رغبة سعودية الذهاب، بعيدا عن التصورات الامريكية.  إعادة العلاقات مع ايران علی الرغم من العقوبات الامريكية؛ واستقبالها لوزير الخارجية السوري في ظل عقوبات قيصر الأمريكية وذهابها لصنعاء خارج إطار المبعوث الأمريكي في الشأن اليمني فان الرياض قرأت الفاتحة علی «صفقة القرن» مع طهران في مجلس لم تحضره 

واشنطن. 

هل المنطقة تعيش النظام الاقليمي الجديد؟ اعتقد نعم. واذا لم يكن كذلك، فالأكيد أنها إرهاصات هذا النظام، بعدما أدرك اللاعبون في المنطقة أن وضع كل البيض في السلة الامريكية عملية لايمكن المراهنة عليها خلال المرحلة المقبلة؛ وأن التفاهم الإقليمي مهما كانت ضريبته فإنه افضل الخيارات لتعزيز الثقة ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة.