الشرق الأوسط والتعاون التسليحي بين روسيا وإيران

قضايا عربية ودولية 2023/04/26
...

 غرانت روملي

 ترجمة: أنيس الصفار   

                                        

عدا هذا تفيد التقارير بأن موسكو قد نقلت أسلحة أميركية وغربية أخرى مما تم الاستيلاء عليه إلى طهران، ويشير البيت الأبيض إلى أن إيران ربما ستحصل أيضاً على منفذ يمكنها من وضع يدها على "مكونات عسكرية متقدمة" وأسلحة أشد مضاء، مثل الطائرات المروحية وأنظمة الدفاع الجوي. بل إن أحد أعضاء البرلمان الإيراني قد ادعى في شهر كانون الثاني أن إيران طلبت هذه الأنظمة بالفعل وهي بانتظار تسلمها.

يعتبر إدخال إحدى أبرز طائرات روسيا المقاتلة الرئيسة متعددة المهام إلى المشهد، بالإضافة إلى التعاون في مجال التدريب العسكري وتطوير الأسلحة، خطوة مهمة في تعميق العلاقة الأمنية بين موسكو وطهران. كذلك هو مؤشر على حدوث تحول عما كانت عليه الأوضاع في الماضي: فعلى مدى السنوات الأخيرة كانت موسكو حريصة كل الحرص على إبقاء التوازن قائماً بين مبيعاتها من السلاح إلى إيران وعلاقاتها العسكرية والدبلوماسية الأخرى في المنطقة، فقد كانت أبرز صفقة بين الطرفين على مدى العقد الماضي هي حصول إيران على منظومة "أس - 300" الروسية للدفاع الجوي في العام 2016. قبل ذلك كانت آخر مرة زودت فيها روسيا إيران بالطائرات المقاتلة في السنوات الأولى من العقد الحادي والعشرين حين سلمتها ست طائرات فقط من طراز "سوخوي- 25" المتخصصة بالهجوم الأرضي. هذه الصفقات جميعاً كانت بعيدة كل البعد عما حدث في أواخر سنوات الحرب الباردة عندما باع الاتحاد السوفييتي إيران أعداداً ضخمة من الطائرات النفاثة المقاتلة والقاذفات والدبابات والغواصات وأنظمة الدفاع الجوي.

قناة التسلح الجديدة هذه من روسيا إلى إيران قد لا ينجم عنها تغير ملموس في مجمل توازن القوى في الشرق الأوسط على المدى القريب. أحد الأسباب هنا هو أن الخسائر الباهظة التي تتكبدها روسيا في حربها الدائرة في أوكرانيا قد تملي على موسكو تقليص صادراتها من الأسلحة. أما السبب الثاني والأهم فهو أن قوة إيران العسكرية الحقيقية تكمن في قدراتها اللامتناظرة، كاستخدام المنصات غير المأهولة وصواريخ كروز والصواريخ البالستية، علاوة على شبكة معقدة من الأعوان والحلفاء الإقليميين. حتى إدخال طائرات "سوخوي- 35" إلى الميدان سوف يقتضي من إيران أولاً أن تطور وتدرب فريقاً من الطيارين القادرين على تشغيل هذه الطائرات، إلى جانب إنشاء خط إمداد يكفل عمليات الصيانة لإبقاء هذه الطائرات عاملة. لكن العقوبات المفروضة على صناعة الدفاع الروسية، إلى جانب الاستنزاف الذي نال من قوة موسكو في ميدان المعركة مع أوكرانيا، سوف تجعل المتطلب الأخير صعب المنال بوجه خاص، لأن الواقع سوف يثبت أن الحصول على قطع الغيار للمنصات الروسية بحد ذاته تحد لن يسهل تجاوزه. لذا من المحتمل أن يتطلب الأمر قدراً غير يسير من الوقت قبل أن تتمكن إيران من دمج طائرات "سوخوي- 35" ضمن إطار قدراتها 

الأوسع.

الأثر الأعظم والأشد أهمية لهذه الشحنات هو ذلك الذي سيظهر على المدى البعيد كثمرة لقدرة إيران على استخدام أسلوب الهندسة العكسية لاستنساخ مكونات هذه المنصات ومن بعد ذلك إعادة إنتاجها بنطاق واسع، الأمر الذي سيضيف مزيداً من القدرات العسكرية التقليدية إلى ترسانات إيران وأعوانها، إذ تمتلك إيران صناعة متطورة في مجال الأسلحة، ولها نجاحات تاريخية مشهودة في الهندسة العكسية للعديد من المنصات التي من بينها طائرات مقاتلة وصواريخ وأجزاء طائرات. فبعد تمكنها في العام 2011 من أسر طائرة الاستطلاع الأميركية المسيرة من طراز "سنتنيل آر كيو- 170" كشفت إيران في العام 2014 عن نسخ مسلحة وغير مسلحة مشتقة منها نفذت بأسلوب الهندسة العكسية. وفي العام 2018 طارت إحدى هذه الطائرات من سوريا ودخلت المجال الجوي الإسرائيلي حيث تم إسقاطها. أنتجت إيران أيضاً عدة أنواع محلية من صاروخ "تاو" الأميركي المضاد للدبابات من طراز "بي جي أم- 71" وقد كان من بينها الصاروخ طوفان والأنواع المحورة منه التي صارت منذ ذلك الحين ترسل إلى حلفاء إيران في سوريا واليمن. لذا انبغى على خصمي إيران الرئيسين، أي الولايات المتحدة وإسرائيل، التخطيط لا لاحتواء جيش إيراني ذي قدرات أكثر تطوراً فحسب، بل أيضاً لمواجهة شبكة إقليمية من الحلفاء المزودين بأسلحة أشد فعالية تمدهم بها إيران.

تنبئ شحنات موسكو أيضاً بحدوث تحول مقلق في صادرات أسلحتها إلى المنطقة، لأن موسكو كانت تاريخياً تراعي التوازن في إرسال السلاح إلى الشرق الأوسط والمناطق القريبة منه. في واقع الأمر أن صادرات السلاح الروسي إلى إيران تبدو ضئيلة لدى مقارنتها بما يرسل إلى مصر والجزائر والهند. فطائرات "سوخوي-35" المتوجهة إلى إيران إنما هي تلك التي قالت التقارير إن مصر اشترتها في وقت سابق قبل أن تتراجع وتلغي الصفقة، وكان جانب من سبب الإلغاء احتمال التعرض للعقوبات الأميركية. تأثيرات حرب أوكرانيا والعقوبات التي تبعتها في صناعة الدفاع الروسية تسببت بتعقيد عمليات تصدير الأسلحة الروسية في أماكن أخرى. ففي آذار 2022 ادعت إحدى شركات الصناعات الدفاعية الروسية أنها لم تعد قادرة على إتمام إجراءات دفع قاربت قيمتها مليار دولار من دول مثل الهند ومصر كسداد لقيمة أسلحة ونظراً لأهمية الصادرات الدفاعية بالنسبة للاقتصاد الروسي قد تفكر روسيا في توجيه المزيد من مبيعاتها إلى إيران تزامناً مع وقوع صفقاتها مع الزبائن التقليديين تحت طائلة التهديد. 

كردة فعل على المدى البعيد يرجح أن تتسبب هذه الشحنات بزيادة الإنفاق الدفاعي في منطقة الشرق الأوسط إلى مستويات أعلى، إذ تعد المنطقة بالفعل من بين أعلى مناطق العالم استيراداً للسلاح، وتقع فيها خمس من بين أكبر 15 دولة مستوردة للسلاح في العالم هي المملكة السعودية وقطر ومصر والإمارات العربية والكويت. يضم الشرق الأوسط أيضاً تسع دولا من بين أكبر 15 دولة من حيث الإنفاق الدفاعي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لبيانات العام 2022، وهذه الدول هي عمان والكويت والجزائر والأردن والمملكة السعودية والمغرب وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة وقطر. دول هذه المنطقة لا تحتاج إلى أسباب محددة أو مبررات كي تنفق المزيد من الأموال على الأسلحة، بيد أن إضافة الطائرات المقاتلة الروسية – مع احتمال وصول مزيد من المنصات الروسية المتطورة الآتية في الطريق – لابد من أن تثير قلق حكومات المنطقة ولا يستبعد أن تتسبب بإطلاق موجة شراء لمنصات مماثلة. من المحتمل أيضاً أن تسعى دولة الإمارات العربية إلى تجديد مفاوضاتها من أجل الحصول على طائرات "أف- 35"، مثلاً إذا ما أضافت إيران طائرات "سوخوي - 35" إلى ترسانتها الحربية.

قناة الأسلحة الروسية إلى إيران يمكن أن تؤدي أيضاً إلى إرباك روح التصالح التي أخذت تسري مؤخراً في المنطقة. كذلك قد تؤشر عودة العلاقات المفاجئة بين إيران والسعودية بوساطة صينية انحسار خطر التصعيد، لكنها أخفقت حتى الان في معالجة العوامل المزعزعة للاستقرار على المدى البعيد، ومنها مساعي إيران المحتملة لحيازة السلاح النووي واستمرار استغلالها الجماعات الموالية لها في مختلف أنحاء المنطقة. تدفق الأسلحة الروسية المتقدمة سوف يسهم في تصعيد ديناميكية التوترات، لا بين إيران وجيرانها العرب فحسب بل بينها وبين إسرائيل أيضاً، لأن هذه الأخيرة سيتعين عليها حين تفكر في أي فعل مستقبلي محتمل ضد إيران أن تأخذ في اعتبارها قدرات إيران العسكرية الجديدة كعامل إضافي.

من المؤكد أن قناة السلاح التي تتدفق بالاتجاه المعاكس، أي من إيران إلى ميادين الحرب الروسية في أوكرانيا، تمثل مصدر القلق الأشد خطراً على المدى القريب. فالطائرات المسيرة الإيرانية قد سدّت فراغاً حساساً في قدرات روسيا العسكرية، كما أن الشحنات الإضافية التي يتوقع استلامها مستقبلا، والتي قد تضم صواريخ بالستية إيرانية، تهدد بإنزال مزيد من الخراب على أوكرانيا وقواتها. من بعد هذا التهديد المباشر فإن تدفق الأسلحة على إيران لن يؤدي إلا إلى مفاقمة التوترات في الشرق الأوسط وتصعيد احتمالات نشوب صراع مستقبلي في المنطقة. أصداء قناة التعاون العسكري هذه الآخذة بالبروز بين روسيا وإيران مؤهلة للتوسع إلى أبعد من ساحات المعارك بكثير.


• عن مجلة "فورن بولسي"