أدنى من الوحوش

آراء 2023/04/27
...

 د.عبد الخالق حسن


قبل ست سنوات، وبالتحديد في الشهر العاشر من سنة 2017، نشرت وسائل الإعلام الإثيوبية خبراً يحمل الكثير من اللطف والإنسانية والرحمة. يقول الخبر إن ثلاثة رجال اختطفوا طفلة تبلغ من العمر 12 سنة، إمَّا لإجبارها على الزواج، أو اغتصابها. وفي أثناء توغلهم وسط الأحراش، صادفتهم ثلاثة أسود، سمعت صوت الطفلة وهي تبكي بين أيدي الرجال الخاطفين. هاجمت الأسود الرجال، فاضطروا للهرب وتركوا الطفلة. وحين تتبعت الشرطة مسارهم، وجدوا أن الأسود كانت تضرب طوقاً حول الفتاة الخائفة والمرعوبة. كانت الفتاة مستلقية على الأرض ومتعبة بسبب الضرب المتواصل الذي كان يضربها به الرجال. ظلت الفتاة بعهدة الأسود نصف يوم تحميها وترعاها من الخاطفين الذين كانوا منزوعي الرحمة. جرى تفسير الأمر حينها بأن صوت الفتاة كان يشبه صوت الأشبال، لهذا تعهدتها الأسود بالحماية والرعاية. لكنَّ كلَّ هذا لايصمد أمام حقيقة أن الأسود كانت أكثر رحمةً، وأغزر عطفاً على تلك الفتاة ممن أراد بها سوءاً.

اليوم، صارت تتكرر في مجتمعنا ظاهرة مرعبةً وخطيرةً، وهي ظاهرة اغتصاب البنات الصغيرات. يستدرجهنَّ القساة الأدنى مرتبةً من الوحوش إلى حفلة تعذيب تنتهي بقتلهنَّ بلا أن يرفَّ لهم ضمير أو قلب رحيم. ظاهرة أصبحت تهدد بناتنا الصغيرات اللواتي يتصرفنَّ بعفوية مع الجميع لحسن الظن بهم، ولعدم توقعهنَّ أنَّ أحداً يمكن أن يلحق بهنَّ الأذى.ليذهب إلى حتفهنَّ، ويتركنْ خلفهنَّ أمهاتٍ وآباءً مكسوري القلوب والأرواح، وهم يشاهدون أغلى ما يملكون وقد تعرضنَّ إلى كلِّ هذه القسوة والبشاعة.

لقد صار مهماً وضرورياً أن تعمد الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والعشائر إلى وضع أحكام رادعة وتقديم دراسات مستفيضة، تحلل سبب انتشار هذه الجرائم في مجتمعنا، وهي بلاشك جرائم غريبة علينا، لكنَّ عوامل انتشارها بدأت تتجذر شيئاً فشيئاً في المجتمع.نحتاج إلى ندوات تثقيفية وإعلانات حكومية متلفزة أو مكتوبة على لوحات إعلانية تتوزع في الشوارع عن التوعية والتحذير من هذه الظاهرة السلوكية المنحرفة. نحتاج إلى المكاشفة من خلال قيام وزارة التربية بعمل وسائل تعريفية لبناتنا الصغيرات أو من خلال مرشدات الصفوف يثقفن فيها الصغيرات من خطورة قبول أي دعوة من غريب أو حتى قريب للذهاب في نزهة وركوب سيارة أو الدخول في مكان منعزل. لأن ترك هذه الظاهرة من دون علاج إرشادي وتحذيري ونفسي، وإيكال الأمر إلى عقوبات قانونية جنائية فقط لن يوقف هذه خطورة هذه الظاهرة.

ويبقى الأمر كلُّه منوطاً بالأهل، الذين يجب أن يراقبوا بناتهم في الشارع ولايتركوهن عرضةً للانتهاكات الجسيمة، التي يمارسها من باع نفسه للشيطان، وسار