دراسات عليا لنيل الامتيازات وكسب المناصب

آراء 2023/04/27
...

 حسين رشيد 

بدأ تدني منظومة التعليم العالي في العراق مع حرب الثمانينيات مرورا بتسعينيات الحصار الاقتصادي، فبات منح الشهادات العليا خاضعا لحسابات حزبية وقومية وطائفية، مع التركيز على المواضيع التي سيتم تناولها في الرسائل والاطاريح، والتي غالبا ما تكون موضوعة مسبقا من قبل قيادات البعث أو الأجهزة الأمنية ودوائرها التي تعنى بهذا الشأن.

هذا مع التركيز على بعض الموضوعات، خاصةً تلك التي تتعلق بالحاكم وحزبه الحاكم وعلى سبيل الذكر “ المرأة في فكر البعث” أو “المرأة في أقوال القائد” أو “القائد المؤسس والصحابة”، و”القائد الضرورة سليل النبوة” و”دور الصحابة في ديمومة الاسلام”، التي يصعب رفضها أو عدم منحها درجة نجاح وتميز وهكذا. ما بعد نيسان 2003 وبعد الاستقرار النسبي هرع الكثير من المسؤولين إلى معادلة الشهادات، التي جاؤوا بها من شتى المصادر المعروفة والمجهولة، وهنا الأمر خضع للمزاجية، ومن يقود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المعني بمعادلة وتسجيل الشهادات تلك الشهادات، التي تسنم أصحابها درجات عليا في ادارة الدولة، ثم جاءت مرحلة اكمال الدراسات العليا الحاصلة على شهادات عِبر ما يسمى بالدراسة عن بعد أو عبر الانترنت، والتي وفقها حصل المئات من المسؤولين العراقيين ممن يشغلون مناصب رفيعة في الدولة العراقية شهاداتهم التي منحتهم لقب دكتور وفق مبدأ (شهادتي بفلوسي)، أغلب هولاء فشل في تطبيق ما درسه وما قدمه حين تسنم المنصب والمسؤولية، لكنهم أجادوا أن يكونوا جزءا من الفساد 

والافساد. 

ومع التدهور المستمر وشيوع ظاهرة الجامعات والكليات الاهلية “الاستثمارية” اخذت مواضيع وعناوين الرسائل والاطاريح للدراسات العليا تتماشى مع الحالة الجديدة في البلاد، حيث أخذت هذه المرة منحى طائفيا مذهبيا من خلال الدخول إلى قضايا اشكالية، عقائدية، لو نظر لها من باب البحث والدراسة واعمام الفائدة، سنجد انها لا تغني ولا تسمن، كل ما هناك أن الباحث سينال الامتيازات الوظيفية والمنصب، وقد يكون على حساب الافضل منه الذي يتمتع بالخبرة والكفاءة والسيرة الوظيفية الحسنة لكنه لم يفكر بإكمال الدراسات العليا والحصول على شهادة الماجستير أو

 الدكتوراه. 

وزارة التخطيط تعترف أن هناك 70 ألف موظف يدرسون في الجامعات الإيرانية هذا العام، وحتما سبقهم في السنين الماضية رقم مقارب إن لم يكن اعلى منه، ولو افترضنا أن السنوات العشر الاخيرة حصل 50 ألف موظف على الشهادات العليا داخل وخارج البلاد، هذا يعني لدينا الان 500 ألف موظف، يحملون ألقابا علمية بين ماجستير ودكتوراه، نسبة لا تتجاوز 5 % منهم يمارسون اختصاصهم والاخرون فقط لأجل نيل المخصصات والإمتيازات، وسماع لقب “دكتور”. 

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووفقا لتصريح وزيرها “الطاقة الاستيعابية بالدراسات العليا تقدر بـ 11 ألفاً سنوياً والمقبولون هذه السنة 28 ألفاً مع التوسعة”، دون ذكر ان كان ذلك في الجامعات الحكومية فقط اما الحكومية والاهلية، هذا في الداخل يضاف لهم 70 ألفا في ايران، يصل العدد إلى قرابة 100 الف دارس، إذ أضفنا لهم اعداد الدارسين في جامعات دول اخرى عربية واجنبية، فضلا عن الدراسة عن بعد أو ما يسمى عبر الانترنت، وحتما بين هؤلاء من له مشروع علمي، ويملك الكفاءة والمقدرة في اختصاصه، لكن للاسف هم أقلية جدا، فضلا عن محاربتهم ومحاولة تهميشهم في المؤوسسات التي يعملون 

بها.

لدينا قرابة 100 جامعة وكلية حكومية واهلية متنوعة بين جامعات تعود لقوى حزبية، واخرى لقوى دينية، وثالثة لأغنياء ومستثمرين مع شخصيات سياسية، لكن ما يؤسف له ألا توجد اي جامعة عراقية ضمن افضل الجامعات في العالم، وحسب موقع التصنيف العالمي للجامعات (Ranking web of Universities)، الذي نشر أفضل الجامعات في العالم حسب ما يتم نشره من البحوث العلمية في المجلات المحكمة، والمواد العلمية والمناهج التي يتم تدريسها، كانت جامعة ديالى الاولى بين الجامعات العراقية وحلت بالمركز 1752 حسب التصنيف، التي تصدرتها جامعات امريكا، وبريطانيا، وكندا 

الأمر الآخر الأكثر غرابة ان كل هذا العدد من الجامعات الحكومية والاهلية وآلاف الشهادات والدراسات العليا، ومئات آلاف ممن يحملون ألقابا علمية بين ماجستير ودكتوراه، والعراق حل في المركز 14 عربيا و 131 عالميا في الابتكار العلمي، ما يدل على وجود هفوة كبيرة بين الطموح والواقع في التعليم والبحث العلمي.