جواد علي كسار
الظاهرة التي أقصدها هي مجاميع التواصل التي راحت تنتشر بكثرة، غالباً ما تكون مفرطة بالمقارنة مع طاقة الفرد الواحد ووقته، وقدرته المحدودة على المتابعة، والقراءة، والمشاركة، والاستيعاب.
من المؤكد أن الإنسان يشعر بشيء من السعادة والرضا عن النفس، وقدر من احترام الذات عندما يجد نفسه وقد اختير عضواً في مجاميع مؤثرة، أو يُفترض أن تكون كذلك، إلى جوار فاعلين آخرين.
لكن اللافت أن هذه المجاميع باتت تواجه مشكلات مختلفة ومركبة راحت تهدّد إيجابياتها.
فأصحاب هذه المجاميع والمبادرون لها، ينطلقون من دوافع مختلفة، معرفية وسياسية وأيديولوجية متفاوتة، تحت وابل من عناوين الواجب الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي وما شابه، ما يربك انسجام العضو المشارك مع أهداف هذه المجاميع وتطلعات أصحابها، لاسيّما من يرغب منهم، صبّ قناعات المجموعة في وجهات نظر خاصة.
النقل والتكرار والاعتماد على منشورات الغير والمعلومات الجاهزة، غالباً ما يؤدّي إلى ضرب من الكسل المعرفي، وقد يقود أحياناً وكنتيجة لاستمرار معايشة الحالة؛ إلى التكلس الذهني وتعطيل التفكير الحرّ وغياب الإبداع.
من الآفات المصاحبة لهذه المجاميع هو التسليم لما ينُشر ويقال من أول وهلة، من دون تدقيق ونقاش.
وقد يفاقم من ظاهرة التسليم السلبي، إحجام الأغلبية على المشاركة الجادّة، وبقاء المجموعة حكراً على عدد ضئيل من الأفراد، هم الأكثر مشاركة وحضوراً.
لكن تبقى آفة الآفات التي أعاني منها في هذه المجاميع التي يفترض أنها تمثل النخب بمختلف ألوانها؛ هو طغيان المختارات المرئية، وقصف المجموعة بعدد هائل منها على مدار الليل والنهار، من دون أن تخضع غالباً إلى ضوابط الموضوع والأهمية والوقت. فقد جربت في عمليات حسابية بسيطة كررتها مرّات، أن الإنسان يحتاج إلى (72) ساعة وأحياناً أكثر، لتغطية المرئيات التي تُنشر في مجموعتين جادّتين، خلال يوم واحد!
من هنا تكوّن لدي انطباع منذ مدّة؛ إن الإنسان بحاجة فعلاً إلى عمر نوح مضافاً إليه صبر أيّوب، لكي تكون له مقدرة متابعة كلّ هذا العدد من المرئيات صوراً وفيديوهات، معه ذلك الكمّ الهائل من المنشورات التكرارية المنقولة؛ والكلام دائماً يدور حول المجموعات النخبة.
ما أفهمه أن وسائل التواصل عامة وتوصيفاتها النخبوية خاصة، هي ليست غاية لذاتها، بقدر ما هي وسيلة سريعة لتعميم الإبداع والمعرفة، وهذا ما يكاد يختفي من أكثرها.