تلسكوب هابل.. مهدَّدٌ بالعمى
شانون هول
ترجمة: أنيس الصفار
تلسكوب هابل الفضائي، الذي عرف بتسجيله صوراً تبعث في النفس الخشوع والرهبة للكون، وفي الوقت نفسه مساهمته في تطوير علم الفلك، مهددٌ الآن. فالشركات الخاصة تواصل إطلاق آلاف الأقمار الاصطناعيَّة التي لا تفتأ تنهال على التلسكوب برجم ضوئي ينتج عنه ظهور خطوط ممتدة أو أقواس ساطعة تعترض حقل الصورة الملتقطة لا يمكن محوها أو إزالتها. والمشكلة تزداد تفاقماً.
كشفت دراسة نشرت مؤخراً في مجلة "نيتشر استرونومي" عن ازدياد النسبة المئوية في إعداد صور هابل المسجلة التي تسبب بإفسادها مرور قمر اصطناعي ما، وهذه البيانات تعود للعام 2021 فقط. منذ ذلك الحين أطلقت آلاف الأقمار الاصطناعية الجديدة من قبل شركة "سبيس أكس" وشركات أخرى، ومن المتوقع أنْ يدخل المزيد منها الى المدار خلال السنوات المقبلة، وستكون لذلك آثاره على هابل واية تلسكوبات فضاء مستقبلية أخرى.
عظمة إرث تلسكوب هابل
يقول "جوناثان مكدويل"، وهو عالم فلك من مركز "هارفارد – سمسثونيان للفيزياء الفلكية" وليس من المشاركين في الدراسة: "سوف نبقى نواجه هذه المشكلة التي يتأثر بها علم الفلك، وهناك أمور علمية سترتفع كثيراً تكاليف تنفيذها، كما ستكون هناك أشياء نفقدها".
مهما أسهبنا في وصف عظمة إرث تلسكوب هابل الفضائي لن نكون مبالغين، فبفضل هذا المرصد صرنا اليوم نعلم مثلاً أنَّ عمر الكون يبلغ 13,8 مليار سنة، وأنَّ معظم المجرات تحوي في مراكزها ثقوباً سوداء هائلة الكتلة وأنَّ النجوم (الشموس) إنما تولد جراء تمخضات متسمة بالعنف. صور هابل، بما فيها سحب الغاز والغبار الباهرة في "أعمدة التكوين" ومشهد ما يقارب 10 آلاف مجرة في "حقل هابل فائق العمق"، سوف تبقى تلهمنا ولن تتوقف.
بيد أنَّ عدد الأقمار الاصطناعية في المدار قد ازداد زيادة عظيمة منذ إطلاق هابل في العام 1990 وهو الآن يحدق في الفضاء عبر حقلٍ يضجُّ بالأقمار الاصطناعية التي تعترض مسار نظره.
في أيار 2019 أطلقت شركة "سبيس أكس" الدفعة الأولى من أقمار "ستارلنك" المصممة لبث إشارات الإنترنت الى كل شبر في الكرة الأرضية. سرعان ما ترددت بعد ذلك صرخة بين علماء الفلك الذين تولاهم القلق من أنْ تهدد خطوط "ستارلنك" عدداً من حملات رصد الكون بواسطة التلسكوبات الأرضية. رداً على ذلك اقترح "إيلون ماسك"، مؤسس شركة "سبيس أكس" ورئيسها التنفيذي، أنْ يتخطى علماء الفلك المشكلة بنقل التلسكوبات الى المدار.
بيد أنَّ هابل يستقر في المدار المنخفض للأرض، الذي يقارب 540 كيلومتراً فوق سطح الأرض، بل انه في الواقع دون أقمار "ستارلنك" ارتفاعاً بنحو 16 كيلومتراً. معنى هذا أنَّ المرصد، ومثله تلسكوبات الفضاء المدارية الأخرى، لا تزال تواجه تداخلاً مستمراً من منظومات الأقمار الاصطناعية. يقول الدكتور مكدويل: "معنى هذا أنك لا يكفي أنْ تضع تلسكوباتك في الفضاء بل عليك أيضاً أنْ تضعها بارتفاعٍ أعلى من زخم الحركات الأخرى"
ثم يمضي مستطرداً: "أعتقد أننا سنرغم على فعل هذا في العقود المقبلة". إلا أنَّ ذلك لن يكون ممكناً بالنسبة للتلسكوبات الموجودة حالياً في المدار الأرضي المنخفض أو مركبات الفضاء التي ستبنيها الحكومات وتطلقها في السنوات المقبلة.
من أجل التعبير عن تأثيرات مجاميع الأقمار الاصطناعية في هابل، أجرى عالم الفلك "ساندور كراك" من معهد "ماكس بلانك" للفيزياء خارج الأرض في ألمانيا مع زملائه تحليلاً لأرشيف الصور الملتقطة ما بين عامي 2002 و2021.
تدفقت عليهم المساعدات من مئات العلماء المدنيين الذين كانوا يقضون الوقت ينعمون النظر ويدققون في الصور لتمييز تلك التي تظهر فيها مسحات تشوش مصدرها الأقمار الاصطناعية بوضوحٍ لا ريب فيه. بعد ذلك استخدمت مجموعة البيانات تلك كمنظومة تدريب لخوارزمية التعلم الآلي التي قامت بتحليل أكثر من 100 ألف صورة منفردة التقطها هابل. أظهرت نتائج عملهم هذا أنَّ فرصة ظهور قمر اصطناعي في صورة لهابل خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2020 كانت3,7 بالمئة لا أكثر. بيد أنَّ فرصة ظهورها في العام 2021 ارتفعت الى 5,9 بالمئة، وهي زيادة قيل إنَّها تأتي منسجمة مع دخول أقمار "ستارلنك". في وقت إجراء التحليل كانت هناك في المدار 1562 قمراً لستارلنك، لكنَّ شركة أخرى اسمها "وان ويب" أضافت 320 قمراً أخرى تابعة لها.
تصاعد مستوى التهديد
يشعر "مارك مكوغرين"، وهو عالم فلك من "وكالة الفضاء الأوروبية" ومشارك في الدراسة الجديدة، بالثقة في التحليل الذي أجروه، ولكنه يشير الى أنَّ هذا ليس سوى شأنٍ ثانوي حالياً؛ لأنَّ هابل يلتقط في العادة صوراً متعددة ثم يعاد إسقاط بعضها الى بعض، وبهذه التقنية تزال الآثار التي تخلفها الاقمار الاصطناعية.
تتفق وكالة ناسا مع هذا الرأي، حيث تقول المتحدثة باسم الوكالة معلقة على الدراسة الأخيرة: "قد تظهر مثل هذه التحليلات بمرور الزمن زيادة تدريجية في الاثار الملتقطة التي تخلفها مسارات الأقمار الاصطناعية، لكنَّ معظم هذه الآثار يمكن إزالتها مباشرة باستخدام تقنيات قياسية خاصة وبذلك يبقى أغلب الصور المتأثرة صالحاً للاستخدام. لذا لن تشكل الخطوط التي تخلفها الاقمار على الصورة تهديداً جدياً في الوقت الحاضر على كفاءة هابل العلمية او على تحليل البيانات".
بيد أنَّ مستوى التهديد يتصاعد مع قيام هابل بمسح رقعة كبيرة من السماء، لأن التلسكوب حينها قد لا يستطيع التقاط اكثر من صورة او اثنتين قبل ان يغير اتجاه الكاميرا. ولو أنَّ قمراً اصطناعياً تداخل مع إحدى تلك الصور فقد يؤدي الأمر الى نبذها كلياً.
امتنع المتحدث باسم مؤسسة "سبيس أكس" عن التعليق على الدراسة الجديدة، بيد انه اشار الى محاولات حثيثة من جانب الشركة للتخفيف من آثار اقمار "ستارلنك، حيث تعمل على تجربة اساليب متنوعة لتعتيم اقمارها، ومن ذلك اكساؤها بغشاء عاكس كالمرآة مصمم لحرف اتجاه الضوء بعيداً عن الارض. ولكن عالمة الكواكب "ميغ شوامب" من جامعة كوينز في بلفاست، تشعر بالقلق من ان يتحول اتجاه الضوء بذلك الى الاعلى وهذا يمكن ان يزيد الوضع سوءاً بالنسبة للتلسكوبات المستقرة في الفضاء.
المسألة ببساطة هي ان هناك مجاهيل كثيرة حالياً، من بينها العدد النهائي الذي ستصل اليه الاقمار الاصطناعية.
تأمل "سبيس أكس" في نهاية المطاف أن تتمكن من توسيع حجم اسطول اقمار "ستارلنك" الى 42 ألف قمر، ناهيك شركات عديدة اخرى في السوق ايضاً، مثل امازون و"وان ويب" البريطانية وشركة صينية تدعى "غالاكسي سبيس".. وحتى حكومات دول. من المخطط اطلاق ما مجموعه 431 الفاً و713 قمراً على مدى السنوات المقبلة.
يستند هذا التقدير الى ملفات هيئة الاتصالات الفدرالية الأميركية والاتحاد الدولي للاتصالات، ولكن حتى لو لم يطلق اكثر من 100 الف قمر فإن ذلك سوف يعني ارتفاع عدد الاقمار الاصطناعية في مدار الارض الى 10 اضعاف منذ البدء بالدراسة، اي ان 50 بالمئة تقريباً من صور هابل سوف تظهر فيها تداخلات الاقمار. ولو افترضنا أنَّ صورة من بين كل اثنتين سوف تحمل أثر مسار قمر اصطناعي فإنَّ الباحثين يشعرون بالقلق ازاء كمية المادة العلمية التي ستبقى صالحة للاستخدام.
يتساءل الدكتور مكوغرين: "متى سيصبح هابل عديم الفائدة؟" ويجيب على تساؤله: "قد يحدث هذا بعد 10 سنوات أو عشرين سنة".
عن صحيفة "نيويورك تايمز"
أخبار اليوم
كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني تشيد بالتحول الإيجابي الذي تشهده شبكة الإعلام
2024/11/25 الثانية والثالثة