الصراع على السلطة.. القنبلة الموقوتة السودانيَّة

آراء 2023/04/30
...

 سناء الوادي 

 حين دعمت البحرية الأمريكية تواجدها في بحر العرب بالغواصة النووية ( يو اس اس ) فلوريدا قبل أسبوعين، خرج المتحدث باسم القيادة الأمريكية الوسطى الكولونيل جيوبوتشينو مصرّحاً عن طبيعة مهمة الغواصة وأنها للدفاع عن مصالحها وحلفائها في الشرق الأوسط، فذهبت التحليلات السياسية إلى مناحي القلق من المناورات الروسية الإيرانية، التي كانت تجرى في الخليج العربي، وعن احتمالية شن هجمات متوقعة من طهران

ناهيك عن استعراض القوّة العسكرية الأمريكية، وإعادة فرض هيبتها في المياه العربية، ولكن لم تذهب توقعات أمهر محللي التحركات العسكرية إلى ما يدور في خبايا ذهن العم سام من أطماع وطموحات، كشف عنها تحرك الغواصة الآنف ذكرها من بحر العرب إلى البحر الأحمر، عقب اندلاع الاشتباكات السودانية وتمركزها قبالة ميناء بورتسودان بحجة تأمين إجلاء رعاياها من المنطقة، ولربما نجد في ذلك تفسيراً لدعم قوات فاغنر الروسية الكبير للفريق محمد حمدان دقلو قائد ميليشيا الدعم السريع الملقب « حميدتي « لقيامه بالانقلاب على الفريق عبد الفتاح البرهان، معلناً رفضه إدماج قواته ضمن الجيش النظامي لتصبح تحت إمرته، وذلك يعني التخلي عن مركز قيادي هو الأعلى وعن بعض المميزات الاقتصادية المتعلقة بتجارة الذهب السوداني، باعتباره تحت سيطرة حميدتي بعد وضع يده على منطقة جبل عامر أكبر مخزن للذهب في العالم بإنتاج 18 طنا سنوياً يُهرب نصفه للخارج، فضلاً عن التواجد الروسي المتزايد في دول القارة السمراء، حيث تعدّ السودان منفذاً لشريط الدول الحبيسة جنوب الصحراء إلى البحر الأحمر، وحدودها المتاخمة لسبعة دول، كل ما سبق ذكره يثير القلق والتخوف من انتقال ساحة الصراع بين الدولتين العملاقتين من أوكرانيا إلى السودان ما يخلّف مزيداً من الفقر والتدمير والقتل ستمتد آثاره أعواماً قادمة.

إنّ ما أثبتته التوثيقات التاريخية لمختلف النزاعات الأهلية أنها تتغذى بالتدخلات الخارجية كلٌّ حسب مصلحته ومطامعه فيسعى لترجيح كفة أحد الجهات المتناحرة على أخرى، حتى أنها تنشر الأزمات وتتفنن في خلق حالة من الفوضى الممنهجة لزعزعة الاستقرار وإثارة النعرات لسهولة الاستيلاء والاستغلال، وقد قدّر على هذا البلد أن يخوض حروباً متلاحقة جعلت من شعبه فقيراً هزيلاً مفتقداً للأمان ومنعته من الأخذ بأسباب التنمية والنهوض للاستفادة المثلى من مقدراته المائية والزراعية وثرواته النفطية والمعدنية.

وعلى خلاف ما يعتقد البعض أن مشكلة السودان قد تنتهي إذا ما كسب أحد الفريقين الآخر واستولى على السلطة، لأنه في حقيقة الأمر تكمن المعضلة في جذور الصراع السوداني المتمثلة بداية بنظرة خاطفة على تكوين هذا البلد العربي الإفريقي من 18 ولاية تضم مئات القبائل، أي مئات اللهجات والانتماءات العرقية والدينية المختلفة التي تنشأ فيما بينها صراعات على موارد البلد بين الرعاة والمزارعين، ومع تعدد العرقيات شهد السودان صراعاً بين الهويات لأصحاب الأرض والوافدين وما رافق حكم الرئيس السابق حسن البشير اختلال في التنمية بسبب التقاتل المستمر على السلطة في جميع أنحاء البلاد من الشمال للجنوب تُوِجت تلك الحروب بتقسيم السودان، وكانت جميع الاتفاقات الساعية لفرض السلم والأمن تفشل ولربما لأنها لا تجد إرادة حقيقية داخلية من أطراف القوى الساعية لتفضيل مصلحتها فوق مصلحة الوطن، و لربما يتجسد الخطر الكامن الأعظم بوجود السلاح بوفرة مع القبائل، في حين أن الدولة ينبغي أن تكون هي المحتكر الوحيد للعنف المشروع لفرض إرادة السلطة المدنية على جميع الأطياف، ومع تنامي دور قوات الدعم السريع كميليشيا لها تواجد في الشارع السوداني، باتت تنصّب نفسها كقوة موازية للجيش النظامي في الداخل ولها دور إقليمي في الدول المجاورة ومدعومة منها وذلك سيزيد الواقع تعقيداً لأنها لن تتخلى بسهولة عما وصلت إليه، ناهيك عن رفض الدول الكبرى لبتر ذراعها المتركز في الداخل.

لا بدّ لإنقاذ السودان أن تتغلب القوات النظامية على كافة العصابات المسلحة، وأن تكمل عملية انتقال السلطة للمدنية والديمقراطية بحذر شديد، فهذه المرحلة الحسّاسة تسيّل لعاب العابثين، يقيناً بأن الأيادي الخارجية إذا تدخلت ستفتت المشهد السياسي و تؤجل مجدداً البدء الجاد بعملية التنمية فيبقى السودان مستَغلاً منهوباً، وغير ذلك من تهديد الأمن المجتمعي وعودة الصراعات بين القبائل.

التداعيات القادمة إذا لم يحسم الصراع سريعاً خطيرة للغاية ليس فقط على السودان، بل تتعداها إلى جاراتها من الدول وسترخي بظلالها على ملاحة البحر الأحمر وعلى الأمن الغذائي العربي لبعض الدول.