مختار المحلة في كربلاء

الصفحة الاخيرة 2023/04/30
...

 جعفر عبد الأمير لبجة


من المعروف أن من الجوانب المهمة في البحوث التاريخية والاجتماعية الحديثة، الاهتمام بموضوعات تراثية عن الوظائف الاجتماعية الخدماتية والإنسانية الفاعلة ودورها في تطور الأحداث وتفاصيلها، وفي السنوات الأخيرة أخذت البحوث بالاهتمام بواقع تلك الوظائف المكونة لمجتمع أي مدينة أو منطقة وفي محاولة جديرة بالاهتمام لبيان ما حمله التاريخ لنا، ولعل محلات كربلاء هي من أكثر المناطق الاجتماعية تأثراً بالواقع الأسري والاجتماعي، وما خلقته مكوناتها الوظيفية ودورها في الأحداث، هذا ما استعرضه الباحث بالشأن الكربلائي المؤرخ طه خضير الربيعي في صفحات كتابه "مختار المحلة في كربلاء.. إرث اجتماعي بين الأجيال" والصادر عن دار الفرات للثقافة والإعلام بالاشتراك مع دار سما للطبع والنشر والتوزيع في الحلة، متناولاً في صفحات الكتاب الذي تجاوز عدد صفحاته الــــ "290" صفحة من الحجم الكبير شخصية مختار المحلة، هذه الشخصية  الشعبية الاجتماعية التي ارتبطت في محلات كربلاء وبيوتاتها. وله منزلة  في المجتمع الكربلائي بحسب نوع وحجم الخدمة التي يقدمها لسكان المحلة. 

الكتاب أجاب عن أسئلة منها من هو المختار؟ وماذا يعمل؟ وأين موقعه على الخارطة الاجتماعية؟ وكيف يتعامل مع القانون؟ وإلى أي مدى أثرت التقنية في عمله؟ وهل هناك حاجة لجيل جديد من المخاتير؟ وكيف وجد، وكيف كان دوره الاجتماعي بصورة توثيقية مبسطة وقابلة للمزيد لمن يريد أن يسهم بتطوير معانيه وسبل الارتقاء به.

وقد استعرض المؤلف في صفحات كتابه تطورات المهام الرئيسة لــــــ "المختار" منذ وجوده الوظيفي في الدولة العثمانية وحتى اليوم، مؤكداً أن دوره الأساسي لم يتبدل واستمر في تسيير شؤون الناس لدى الدولة، فهو صلة الوصل بين الناس وإدارات الدولة، ينجز ما يستطيع من معاملات لتسهيل أمور المواطنين، فضلاً عن الوثائق الرسمية والمستندات المادية، التي تبنى عليها كل الشؤون الإدارية كالولادة والزواج والطلاق والوفاة وإفادات السكن والسفر وغيرها من المعاملات الرسمية، وهو يعرف عن الناس الذين يقيمون في محلته، فهو مرآة مجتمعه وحامل هموم أبناء بلدته وجيرانه، يقف على مسافة واحدة، ولكن متحيزة لصالح العمل الاجتماعي والخدماتي، فهو لا يميز بين من انتخبه أو لم ينتخبه، لأن العمل العام يتطلب تقديم الخدمة للجميع. ولهذا يكون دور المختار تجاه مجتمعه وعشيرته ركناً رئيسيًا في فض الكثير من المشكلات العالقة ورتق فجوات يمكن أن تتفاقم إلى شرخ اجتماعي قد يحمل تداعيات غير محمودة العواقب في حال غياب دور المختار خاصة في بواكير حدوثها. 

وقد نجح المؤلف في نقل صورة "مختار المحلة" الحقيقية لنا وبدون رتوش، مستعرضاً صورته منذ أن تولى أول مختار محلة وظيفته بعد فوزه في أول انتخابات لاختيار المختار عام 1835، أجراها الوالي العثماني علي باشا وإلى اليوم مستعرضاً أسماء مخاتير مناطق كربلاء جميعها بأقضيتها ونواحيها، والشيء المهم في فصل الكتاب الأخير ملحق يضم  كل الأنظمة والتشريعات القانونية الخاصة بالمختار، ومهنته، وواجباته، وشروط التكلف منذ صدور أول قانون في العهد  العثماني حتى آخر قانون بعد سقوط النظام في العراق عام 2003.