العهد الصيني

آراء 2023/05/02
...






 بزورك محمد


منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مرحلة جديدة مرسومة خريطتها السياسية والاقتصادية بحراك صيني بعد فشل الولايات المتحدة، فانخراط الصين في الشرق الأوسط يشهد توسعا كبيرا منذ سنوات، وهي ترى في نفسها صاحبة أوراق مؤثرة ودوراً فاعلاً، لاشك أن الولايات المتحدة الأميركية تعقد رهانها دائما كثيرا خلط الاوراق وتعقيد المشهد، لذلك فإنَّ الملفات التي تكفلت بإدارتها بقيَّ معظمها عالقاً إلى التوتر والفوضي يميل أكثر من الهدوء والاستقرار، فديموقراطية العراق وهي بماركة أمريكية تشهدُ سوء التدبر لسياسة واشنطن، كذلك الأمر بالنسبة لقضية فلسطين المزمنة، حيث تتفاقم الأزمة يوما تلو آخر، فالبتالي إن الديموقراطية الموعودة تحولت إلى كوابيس، كما أن مشروع السلام المنشود ليس إلا غطاءً للعبة على عامل الوقت.

ومن الملاحظ أن السياسة الصينية العابرة للحدود الجوية والبرية والبحرية بدأت ترنو وتزحف بزخم كبير نحو معظم المناطق، التي توصف بأنها تابعة لنفوذ أميركية لعقود طويلة، والمعروف أن الولايات المتحدة الأميركية ارتكبت أخطاءً فادحة في حق شعوب العالم، وفي ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص أغلبها مقصودة ومدروسة من حيث إن السياسات الأميركية عائمة على المراوغة وصناعة الأزمات وإبقائها دون حلول واحيانا تعمل واشنطن على تعميق الهوة وتعقيد الأزمات والمشكلات وتغذية الخلافات والصراعات، تلك السياسة الأميركية، التي كانت قائمة على شعارات الديمقراطية والحداثة وحقوق الانسان مدعومة بأبواق إعلامية ضخمة، وهي شعارات جوفاء تماما لا تسمن ولا تغني من جوع، فمنذ بدأت الحرب الأميركية عام 2003 لإسقاط النظام العراقي كانت السياسة الاميركية ترتكز على خلق أجواء من التوتر ونشوب الحروب والصراعات الدموية وتغذية الصراعات بين شعوب المنطقة وأطيافها، لأهداف أبرزها السيطرة على المناطق الغنية بالنفط ومصادر الطاقة، فضلا عن فتح الاسواق لشراء الأسلحة لدول المنطقة لتغذية صراعاتها مع بعضها البعض، كما أن المنطقة تترنح تحت وطأة النفاق والغموض للاستراتيجية الأميركية، فواشنطن منذ نصف قرن ولا تزال تتعهد بجعل المنطقة خالية من الحروب والكراهية عبر نشر الثقافة الديمقراطية لكن واقع الحال يثبت عكس المزاعم الأميركية، إذ إن المنطقة شهدت أصعب فترات من تاريخها، لتصبح جحيما لا الجنة للكثير من الشعوب والأقوام، وذلك بسبب الازدواجية والمماطلات الأميركية لمعالجة الأوضاع المتأزمة وتحقيق المصالحة والسلام بين الدول وشعوب المنطقة، التي اختارت التعايش والعيش المشترك منذ القِدم، لكن الولايات المتحدة جاءت لتُدمر الأسس الأخلاقية، وجميع المفاهيم والتقاليد السائدة والأعراف السامية، كما معروف أن السياسات الأميركية تدعم جماعاتٍ وأطرافًا، بل ودولًا لفترة ضد أخرى لزعزعة الأمن والاستقرار وفق مصالحها الخاصة، هي ستراتيجية تقع في صلب السياسات، التي تتبناها الولايات المتحدة وهي قد أزاحت صنما ديكتاتوريا في العراق، قبل نحو عقدين ليحل محله عشرات الأصنام الفاسدة، وبعد سلسلة الاخفاقات الأميركية في ترميم المنطقة بعد الحروب والصراعات المسلحة يأتي دور الصين في المنطقة وكثيرا من المحللين يرون أن اتساع رقعة النفوذ الصيني ربما يقارع أو يزعزع على الأقلّ الدور الأميركي، فهناك سؤال هل يمكن أن ترمم الصين مادمرته الولايات المتحدة من القيم والمفاهيم والحضارات في المنطقة؟ ماهي أهم الستراتيجية الصينية في المنطقة؟ هل تغتنم الصين التراجع الأميركي؟

الصين تسعى جاهدة أن توسع من نشاطاتها الدبلوماسية قبل العسكرية والسياسية قبل الاقتصادية في المنطقة، تمهيدا لاغتنام فرص أضاعتها وأهدرتها واشنطن لسنوات طوال في منطقة الشرط الأوسط، التي تعد أغنى منطقة من حيث الاحتياطات في الطاقة والثروات الطبيعية والمعادن، فعلى الصين أولا ترميم أبنية المنطقة وروحها، واستعادتها من أشداق الحرب.

على ما يبدو أن الصين تعمل بجدية أكثر من غريمها التقليدي بغية تحقيق استقرار سياسي حقيقي لا شعاراتي في المنطقة، من أجل ترميم مايمكن ترميمه من علاقات الدول -شرق أوسطية ومن ثم سيطرتها على مصادر الطاقة، وأن بقاء الازمات والصراعات المسلحة ليس في صالحها لذلك تلعب الصين دور الوساطة الفاعلة بين الدول الخصمة والأعداء، بدءا بتوقيع الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، الدولتين اللتين وقعتا تحت فخّ الستراتيجية الأميركية لفترات طويلة، لعل ذلك الاتفاق الجديد يكون خطوة دافعة للواقع في منطقة الشرق الأوسط، التي عانت طوال العقود الماضية من حروب وصراعات ودمار، ولربما يسهم الاتفاق السعودي-الإيراني الموقع بالرعاية الصينية بكثير في أقدار المنطقة والمعادلات الدولية، لا سيما أن الستراتيجية الصينية مصممة على السيطرة على الممرات في البحر الأحمر.

ويبقى تطبيق الاتفاق مرهونا بجدية الدولتين السعودية وإيران، ليمثل خطوة نوعية في بناء الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط الساعية إلى الإصلاحات والتنمية والأمن الإقليمي في آن واحد، في وقت يبدو فيه العالم أكثر اضطرابا من أي وقت مضى، لعل الاتفاق أن يخلق إضافة في التهدئة والتفاوض من ناحية، ويفتح الأبواب لحل كثير من المعضلات المستعصية الكبرى، عمليا بدأ مفعول الاتفاق ينعكس ايجابا على العلاقات بين السعودية وايران اعلاميا ودبلوماسيا على الأقل.

ومن خلال المصالحة السعودية –الايرانية وضعت الصين لنفسها موطئ قدم على سواحل البحر الأحمر والخليج، وهي تعمل لتهيئة الأرضية المناسبة، لتكون دول المنطقة تتعامل مع بعضها البعض وفق الستراتيجية «الأرباح للجميع» على عكس المنطق الأميركي لتفضيل وانتصار جهة والخسارة لأخرى.

وبحسب بحث لمعهد «أبحاث السياسة الخارجية، شؤون آسيا الوسطى «البريطاني فإن الصين قد وصلت بوصفها قوة ناشئة في منطقة البحر الأسود، حيث يجلس هذا البحر بثبات في ستراتيجية الحزام والطريق لتوسيع الاستثمار في البنية التحتية وتطوير شبكات التجارة، لا سيما في جورجيا وبلغاريا وتركيا، رغم الصعوبات المفاجئة في رومانيا وأوكرانيا.

ويفسر البحث عن البحر الأسود باعتباره مساحة ستراتيجية وعن معاناته كثيرا من الصراعات بشواطئه التي تمثل أكبر تركيز جغرافي للقوى الكبرى المتغيرة. ويمكن القول إن البحر الأسود يمثل هذا الالتقاء للقوى هي في الوقت نفسه العامل الرئيسي لزعزعة استقراره. ويبدو أن هذه القوى المتغيرة ستستمر في التجمع والاشتباك فيه وحول سواحله.