بغداد: هدى العزاوي
تُقدّر أعداد الجاليَّة العراقية في بريطانيا بقرابة 450 ألف مواطن، كما تُقدّر الأعداد في بلدان أخرى بقرابة 2،5 مليون عراقي مغترب، وبدأت خطوات الهجرة بصورة واسعة وواضحة وانطلقت التغريبة العراقيَّة بشكلها الكبير إبان انقلاب شباط الدامي 1963، ليتواصل عبر نصف قرن إلى اليوم نزيف هذه الثروة الوطنية التي تجمع بين الخبرات والكفاءات والمواهب والإبداع في مختلف الاختصاصات والمجالات، وذلك ما دعا مختصين إلى توفير الظروف والبيئة المناسبة لعودة العقول المغتربة لخدمة الوطن وإنهاء حالة «البيئة الطاردة» التي هيمنت على العراق
لعقود.
وقال رئيس مركز «الشرق للدراسات الستراتيجية والمعلومات»، علي مهدي الأعرجي، في حديث لـ»الصباح»: إنَّ «العراق ممكن أن يصنف من الدول الطاردة للكفاءات أو الدول غير الحاضنة للعقول الوطنية»، وبيّن، «نعم، من الممكن أن نعتبر هذا النهج مضى عليه أكثر من نصف قرن بسبب التداعيات السياسية، إلا أنها تعتبر مرحلة أو أزمة وقتية وسيغادرها الفكر السياسي وينتبه إلى أهمية الاعتماد على الخبرات الخارجية في عصر التطور السريع».
وأضاف أنَّ «كل مفاصل الدولة تعتمد على محورين في العمل؛ أحدهم الخبرة المكتسبة والآخر هو الخبرات المستوردة، ويستطيع العراق أن يعتمد على منهج آخر هو استقطاب الخبرات العراقية في المهجر، وبذلك يستفيد من العقل الجمعي والعرف العام مع خبرات فكرية جديدة، وبهكذا خطوة نعمد إلى تلاقح وتلاقي الأفكار بين الداخل والخارج».
وأوضح أنه «في عصرنا الحالي نجد أغلب دول العالم تعمل على نظام الابتعاث من أجل تطوير كفاءاتها والاعتماد على أسس منهجية حديثة بعيدة عن الترهل والعقل الكلاسيكي في بناء المرحلة المقبلة»، وأكد أنه «أصبح من الواجب أن نعتمد على الخبرات العراقية المهاجرة، على ألا تكون ضمن مجال خبرات الطيف السياسي الحالي، وأن تنصهر في المجتمع من أجل بناء منظومة علمية رصينة تعيد بناء الواجهة العامة للبلد وتقفز بالوعي الفكري والعلمي وتعيد العربة على السكة بدل أن نستمر في طريقة الانهيار العام».
ونوّه الأعرجي بأنَّ «العراق ليس بلداً عقيماً، بل يعد من البلدان الشابة، يحتوى على طاقات وعقول مبدعة تشغل مناصب مهمة جداً في الدول العربية والأجنبية، لذلك يمكن أن نتحول إلى بلد يحتوي ويحتضن الكفاءات من أجل النهوض بالواقع العام»، وأوضح أنه «كذلك يجب استقطاب الخبرات العراقية من الخارج بشكل مجاني بعيد عن التكلفة التي يمكن أن تتحملها موازنة البلد في حال الابتعاث أو استيراد الطاقات الأجنبية، وبهذا نربح عودة أبناء الوطن وكذلك الاستقطاب المجاني للخبرات الأجنبية وبالصوت الوطني والكلمة العراقية».
فيما أشار الأستاذ الأكاديمي، الدكتور هيثم الهيتي، في حديث لـ»الصباح»، إلى أنَّ موضوع الكفاءات- سواء على مستوى الأكاديميين والباحثين والمتخصصين- له أهمية كبيرة في كل دول العالم، وهم ثروة هائلة يمكن الاستفادة منها في تصحيح الكثير من المشكلات.
ولفت إلى أنَّ «العراق يمر اليوم بأزمات اقتصادية ومالية وتعليمية وصحية، والكفاءات هي الوسيلة الأفضل لحل كل المعضلات التي تواجه العراق في الوقت الحاضر، وذلك لامتلاكها المعرفة الكبيرة في فهم هذه المشكلات وإيجاد الحلول العلمية التي يمكن أن تصحح المسارات»، وأضاف، «أعتقد أنَّ هناك إشكالية سياسية في العراق تتعلق بسوء فهم السياسي أو النخب السياسية لأهمية ودور النخبة الكفوءة في المجتمع»، منوهاً بأنها «مزجت ما بين الشكل العلمي والكفاءة وما بين السياسة، ونعتقد أننا بحاجة إلى وضع خط فاصل بين الكفاءة العلمية والجهات السياسية العامة، وبالتالي يجب أن تستثمر هذه الكفاءات أياً كانت لعلميتها، وجلبها لأجل أن تقدم خدمة للعراق وللمواطن».
وأوضح أنَّ «التقدم العلمي في روسيا وأميركا هو نتاج استثمار البلدين لكفاءات ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، فكيف بالعراق الذي يمتلك كماً هائلاً من الكفاءات العلمية في كل دول العالم وفي دول الخليج، وهي تزخر بأساتذة عراقيين يديرون أحسن وأفضل الجامعات، وحتى المستشفيات العربية والعالمية تزخر بالكفاءات العراقية».
ودعا الهيتي الجهات المعنية إلى التفكير بشكل جاد بالتجربة الأميركية والروسية، «ووضع خط فاصل ما بين السياسة من جهة والكفاءة الأكاديمية والعلمية والمهنية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تشريع قانون عودة الكفاءات وحمايتهم والاستفادة منهم، خاصة أنَّ العراق يمتلك ميزانية عملاقة أيضاً ورئيس وزراء جديداً يمكن أن يحقق نهضة
باستقطاب الكفاءات».