سحر الديليفري

آراء 2023/05/04
...

 سعاد الجزائري 

 اليائس يبحث عن أي منفذ ينقذه من ويلاته، كالغريق الذي يبحث عن قشته، هكذا هن النساء، يفتشن في صناديق الأسرار عن أدعية أو حجُب تحمي حياتهن من شرور تحيطهن، منذ يوم مولد مشروع الموؤدة وحتى لحظة رحيلهن الأخير، فهي تعمل المستحيل لتحمي نفسها من جسد هو كنزها ولعنتها بالوقت نفسه، وتتستر على جمال أو نصفه إن امتلكته لأنه هبة الخالق لكنه مصدر خوف بالنسبة لها، لأن الذئاب تشم رائحته التي تستهويها لتكون وجبة للافتراس.

المرأة في شبابها مصدر خوف بالنسبة لعائلتها، لأن الشرف يكمن في جسدها الذي هو لها لكنه مملوك من قبل الغير، الذي له حق المتاجرة به وبيعه بطرق مختلفة، كالتزويج دون إرادتها، أو المتاجرة بها كأي سلعة قابلة للمقايضة، ولكي تكون الفتاة، قبل أن تصبح امرأة، طيعة وخانعة بيد مالكها، لذا عليه أولا أن يجردها من ملكيتها لنفسها لتسلمه صك إمتلاكها، وان يجردها ثانيا من وعيها وإدراكها لإنسانيتها، فيفرض عليها سلطته الاقتصادية ليكبلها بسجن القيد الاجتماعي والاقتصادي.

هذا الطوق يجعل الفتاة - المرأة بيأس مطبق يسيطر على حياتها وإرادتها، لذا تبدأ بالبحث عن أية سبل تساعدها لتطلق العنان لساقيها نحو حريتها، لكن الوصول لسبل انقاذ الروح والعقل والجسد، يتراوح من امرأة لأخرى، تبعا لوعيها الذي تمسكت به ليقودها نحو الخلاص، أو الذي تنازلت عنه وأبقت ضعفها لتستند إلى قدرها أو قسمتها وربما تبحث عن طرق وقوى غيبية.

الاتكال في حل المعضلات الشخصية، دليل ضعف لا محالة، وانتظار القدر أو عنصر غيبي هو الضعف والاستسلام بعينه، لذلك انتشر ما يسمى بالسحر في حل إشكالات حياتنا، وهذا منتشر في أوساط النساء أكثر منه في الوسط الرجالي، رغم ان بعض السياسيين اعتمدوه كمستشار لهم.

عندما تفتح حديث السحر في وسط نسائي تسمع العجب عن فنونه وأشكاله، فهذا المختص بالزواج وآخر مختص بالطلاق وثالث بالانجاب وبالحب ايضا.....الخ، ومواد السحر تتباين من قطعة ثياب المقصود بالسحر أو شعرة منه تخلط مع تراب مقبرة أو ماء من صحن الامام، وقد نحتاج إلى ساق طير أو سن قطة، قفل، أدعية إيجابية وسلبية ....إلخ، توضع هذه الاشياء في صرة لتُدس في بيت أو بين ملابس المسحور.

وقد يتكرم الساحر أو الساحرة بإعطاء مواد تخلط مع غذائه، وهذا ما تسبب بكوارث حقيقية. لا يهمني الآن السحر وأنواعه، بدءًا بالأبيض وانتهاءً بالأسود، لكن ما يشغلني هو اتكال النساء على السحر في حل إشكالاتهن الحياتية لإيمانهن المطلق بقدرة السحر وجبروته، وهذا ما يكشف لنا ضعفهن المكتسب والمتوارث أو المفروض عليهن، واستغلال البعض لهذا الضعف ليبتز الملايين من أجل حلول غير مجدية، والادعاء بفعاليتها وعظمتها. هناك تسعيرات لكل حالة سحرية، واحدة تقول إنها دفعت خمسة ملايين ليتم طلاق والدها من زوجته الثانية، وهي تشكر السحر الذي أنقذها وأنقذ أمها من سلطة الزوجة الثانية، بعد أن تمَّ الطلاق فعلا، وثانية دفعت سبعة ملايين لتتزوج الشخص الذي تحبه من طرف واحد، وما زالت تنتظر قدومه كلما طرق أحدهم بابها.

ومثلما أصبح التسوق بالتوصيل (ديليفري)، كذلك السحر العصري، الذي تطورت أساليبه ومواده وأسعاره وطرق توصيله، حيث تتمكن المرأة العصرية أن تعمل (الاوردر) لصرة السحر فتصلها إلى باب البيت مع الممنونية، وقد ألقت شرطتنا المحلية القبض على سائق تاكسي يحمل مجموعة صرر غريبة الشكل في صندوق سيارته، وبعد التحقيق اعترف أنها أعمال سحرية مهمته توصيلها لأصحابها، وما شغلني عندما سمعت هذه القصة هو السؤال التالي: ما الذي سيحصل لو اخطأ السائق في تسليم الطلبيات، واختلطت الصرر مع بعضها، مثلا كأن تستلم المتزوجة صرة التي تريد الزواج!.

في ظل التطور العلمي والعالمي وبعد أن حققنا نسبة مشاركة ٢٥% من النساء في العملية السياسية رغم فشلها، ما زال البعض، بل وأكثر من (بعض) يعتمد على السحر في حل ما عجزنا عن حله، رغم انه بمتناول اليد وذلك باستخدام ولو القليل من الوعي، والكثير من الثقة بالنفس وإلايمان بها، وتوفير الملايين لإسعاد العائلة.