قانون حماية الحريات العامة

آراء 2023/05/04
...






  فارس حامد عبد الكريم


 يوصف قانون أصول المحاكمات الجزائية في فقه القانون بانه؛ (قانون حماية الحريات العامة) لصلته الوثيقة بالدستور والحريات العامة؛ لأنه يضمن لكل متهم خضوعه لمحاكمة علنية عادلة يتاح له فيها حق الدفاع عن نفسه، والطعن بالأحكام الصادرة بحقه امام المحاكم العليا باختلاف تسمياتها ( التمييز، النقض، العليا،...). وإذا كان قانون العقوبات يعنى بقواعد التجريم والعقاب،فان قانون الأصول يضمن تحقق الغاية من التجريم والعقاب وضمان أن الحرية الفردية لن تُهدر اثناء التحقيق والمحاكمة، وقد قيل بحق إن قانون العقوبات إنما وضع لمواجهة الأشرار وذان قانون الأصول الجزائية وضع لحماية الشرفاء. ولم يواكب قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971 التطورات الفقهية والتشريعية الحديثة، فالتعامل مع المتهمين لا يزال يجري وفقاً للقواعد القديمة التي تخلت الدول المتحضرة عنها مواكبة لتطور القيم الإنسانية. ومن ذلك ما

يأتي:

*اذا نسبت جريمة إلى شخص ما، فكان يسمى بـ(المتهم) ثم استبدلت التسمية بـ( المشتبه به)، بينما نص قانون الإجراءات الفرنسي لسنة 2000 على تسمية جديدة هي (الشخص محل الفحص).

*قاضي الحريات العامة

لاحظ الفقهاء في فرنسا أن قضاة التحقيق يميلون إلى توقيف المشتبه به لمحاولتهم كشف ملابسات الجريمة بأسرع وقت، ولتحقيق سمعة جيدة لهم مما حد من حريات المواطنين، ولذلك أوجدوا ما يعرف بـ(قاضي الحريات العامة)، فإذا اراد قاضي التحقيق توقيف شخص، فعليه أن يكتب إليه مع بيان الأسباب ليقرر الموافقة على التوقيف من عدمه.

* إذا اتهم شخص ما شخصاً آخر بارتكاب جريمة فيجب اجراء التحريات اللازمة قبل استقدامه وزيارة المحققين له في منزله، ومناقشته حول ذلك مثل تحديد مكان تواجده وقت ارتكاب الجريمة.

*تخلت التشريعات الحديثة عن ظاهرة وضع المتهم في قفص لإخلال ذلك بكرامته وكرامة عائلته وقد يحكم ببراءته. وقد طبق هذا الامر لأول مرة في العراق عند محاكمة أزلام النظام السابق.

*منح القاضي خيارات متنوعة للحكم بالعقوبة، بدلاً من الإيداع في السجن بالنسبة لجرائم معينة، كالقيام بخدمات اجتماعية وتوسيع مديات الغرامة بدل السجن.

*التمسك بأصل البراءة:

قاعدة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) وتترتب على ذلك نتائج مهمة هي:

اولا: لا يرغم المتهم على إثبات براءته وبخلافه يعتبر مذنباً، لأن الأصل فيه أنه بريء.

فيقع عبء إثبات التهمة على عاتق سلطة التحقيق، ولا يلتزم المتهم بتقديم أي دليل على براءته، وله التزام الصمت ولا يجوز اعتبار ذلك دليلا ضده، إلا أن له الحق في أن يناقش الأدلة وأن يشكك في قيمتها. كما له أن يقدم طواعية أية أدلة تثبت براءته. 

وفي نطاق موانع العقاب أو أسباب الإباحة كالدفاع الشرعي، فإنه يجب على المتهم أن يتمسك بالدفع بها دون ان يلتزم بإثبات صحتها الا طواعية لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

ثانيا: الشك يفسر لصالح المتهم لأنه يقوي أصل البراءة فيه والأصل لا يزال الا بيقين. فإذا شك القاضي في أن المتهم قد أتى الفعل أو لم يأته بناءً على أدلة غير كافية أو متناقصة، فالأصل أنه لم يأته.

وإذا شك ان كان قد أتاه استعمالا لحق أم عدوانا، فالأصل أنه استعمال لحق تأكيداً لأصل البراءة.

وإذا كانت الوقائع المسندة للمتهم ثابتة إلا أنه قام شك في تكييفها، هل هي سرقة أم خيانة أمانة مثلا، فالعبرة بالوصف الأخف لأنه القدر المتيقن.

ثالثا: أي ضعف في الأدلة يقوي أصل براءة المتهم ولا تجوز إدانته، بناءً على اعتقاد قوي وإنما بناءً على الجزم واليقين. 

إن الجمع بين مبدأ أصل البراءة مع مبدأ أن الحكم بالإدانة لا يكون الا بناءً على الجزم، واليقين يترتب عليه أن يكون هناك فرق جوهري بين الحكم بالإدانة والحكم بالبراءة، فحكم الإدانة يجب أن يبنى على الاقتناع بأدلة الإثبات، بينما يكتفي بالنسبة لحكم البراءة أن يؤسس على الشك في الاقتناع بهذه الأدلة.

رابعا: لا يجوز إدانة المتهم بناءً على قول المدعي وحده، لأنه يدعي خلاف الأصل والمتهم محصن بأصل براءته، وبالتالي فالقول قوله لموافقته هذا الأصل.

خامساً: يجوز الاستناد إلى دليل استخلص بطريق غير قانوني للحكم بالبراءة، بينما لا يجوز الاستناد إليه للحكم بالإدانة.

سادساً: لا يجوز ان يضمن المشرع تشريعاته قرائن قانونية تتعارض مع اصل البراءة. 

سابعاً: حق التعويض عن التوقيف عند غلق الدعوى أو الحكم بالبراءة دون حاجة لإثبات حصول ضرر، ولم يعد ذلك رخصة للقاضي فالحكم بالتعويض فيها واجب، وطبقاً لقانون الاجراءات الفرنسي، لا يجوز رفض طلب التعويض الا في ثلاث حالات هي، تأسيس غلق الدعوى على توافر عاهة عقلية عند المتهم، أو صدور عفو عنه عقب توقيفه، أو أن يَثبُت أنه اتهم نفسه لتمكين الغير من الإفلات من العقوبة. 

النائب الأسبق لرئيس هيئة النزاهة الاتحادية