العدالة قيمة إنسانيّة مُطلقة

آراء 2023/05/06
...







 عصام كاظم جري 

لقد شهدت البلاد قبل أيام قليلة تظاهرات مناهضة، لإقرار قانون إعادة انتخاب مجالس المحافظات وبصيغة «سانت ليغو»، وقد شارك في هذه التظاهرات بعض المثقفين والأدباء والإعلاميين والوجهاء والشيوخ وطلاب الجامعات ومنظمات المجتمع المدني، فضلا عن بعض السياسيين والنواب، وعامة الناس... الخ وخرجت هذه اتظاهرات لأمرين: الأول ضد إعادة العمل بنظام مجالس المحافظات، والآخر ضد قانون «سانت ليغو «. وجاء هذا الرفض بعد تجربة طويلة ومريرة عاشها المواطنون فعلا وواقعا، لذا بات المواطن العراقيّ لن يتقبّل أي قرار حول إعادة تدوير الهدر للمال العام، وللمناصب الوظيفيّة، وللتعيينات، وللفشل الذي استشرى في خريطة البلد. نعم لن يتقبّل نظام المحاصصة، وتقاسم الأموال بين الطبقة السياسيّة وأحزابها، وإهمال الطبقات الأخرى. 

إن أغلب مجالس المحافظات السابقة قد استغلت أموال الاستثمار لصالحها ولصالح أحزابها ومكوناتها، وأبعدت عن طريقها كل ما يسمّى بالمصلحة الوطنيّة أو المصلحة العامة، وإذا كانت الإدارة المركزيّة بحاجة ماسة لمجالس المحافظات فما هو عمل مجلس البرلمان إذاً؟ وما المهمة المناطة له؟. 

إن تشريع القوانين والرقابة ومتابعة مستوى أداء المحافظين من حيث النجاح والفشل يعدُّان عملين ناجعي للنظام البرلمانيّ في كل دول العالم، أما موضوعة إعادة انتخابات مجالس المحافظات بعد الفشل الذريع، ووفق نظام «سانت ليغو» حتما تكشف شيئا واحدا، وهي الهيمنة من جديد على العقود الاستثماريّة ومشاريع الوزارات كافة، والتلاعب بمصير ومستقبل الناس، وخلق سلطة داخل سلطة من خلال المجالس التي أضحت بائسة في عيون العراقيين. والسؤال الذي لا يغادر عقلية كل مواطن عراقي: لِمَ هذا الهدر الزائد في المال العام؟ لِمَ هذا الترهل الوظيفيّ في هيكلية الحكومة؟ سبق وأن أهدرت هذه المجالس ميزانية الشعب والتي ذهبت إلى جيوب المفسدين. بالوقت الذي يعيش المواطن غيابا تاما للخدمات الطبيّة والتعليميّة والأمنيّة والسكنيّة والزراعيّة والصناعيّة وبقية الخدمات العامة، مثل الصرف الصحيّ والشوارع النظيفة والماء والكهرباء... وغيرها.  لقد باءت أغلب المشاريع الخدمية بالفشل الذريع من قبل إدارة مجالس المحافظات السابقة، والتي كانت تشرف عليها بشكل مباشر، مثل النقل كالطرق أو التعليم كالمدارس والجامعات والمعاهد أو السياحة مثل بناء مدن سياحية صارت فيما بعد مدن وهمية وفضائية.

لقد أثبتت التجربة أن الفشل الذي أصاب مفاصل الدولة تقف وراءه تلك المجالس،حيث نجحت في فتح الطرق أمام تماسك منظومة الفساد وديمومتها، حتى صار الفساد مؤسسة تديرها مافيات الأحزاب الفاسدة. ولا يخفى على أحد بأن الإدارة المركزيّة واللامركزيّة نظام عالميّ والمركزيّة هي الاحتفاظ بالسلطات في يد شخص واحد وعلى مستوى إداري رفيع وعال، ولا تُتاح هذه السلطة إلى بقية الشّخصيات. وتعمل بالاتجاه الوحيد في التركيز على السلطة أولا، واتخاذ القرارات المنظمة للعمل ثانيا، أما الإدارة اللّامركزيّة  فيتسع فيها التفويض ولمستويات أقل وفقاً لما يُسمح به من تنظيم عمل الشركات والمؤسسات، وباللّامركزيّة يتم توزيع السلطات لمجموعة ما، ولهم الحرية في اتخاذ القرارات من أجل تحقيق العمل. لكن التجربة العمليّة للمركزيّة واللّامركزية في العراق ومنذ التّغيير في عام 2003 لغاية اليوم أثبتت فشلها، لا سيما الإدارة اللّامركزيّة فقد صارت نافذة ربحية إضافيّة للأحزاب الفاسدة، ولا علاقة لتلك المجالس بأي فعل ديمقراطيّ يعزز اللّامركزيّة أو خدمي يحقق حاجة تنمويّة مطلقة، وبالعموم المجالس ليست سوى دهاليز مظلمة تُثقل ميزانيّة الدّولة وتمنح المحاصصة حياة جديدة