ميتومونيا السياسة العراقيَّة

آراء 2023/05/07
...

 د. أثير ناظم الجاسور


يتمحور الحديث عن متلازمة الميتومونيا بشكل خاص على اعتبارها واحدة من الأمراض، التي تجعل من الأنسان يحلم بحصوله على ثروة مفاجئة من ثم يُعد نفسه لتخطيط في انفاق هذه الثروة، وهذه المتلازمة حسب التقارير الطبية يعاني منها حوالي 75 % من البشر من حيث التوهم من العثور على حقيبة ملؤها أموال يعمل على إنفاقها وفق ما ترتئي نفسه، نحن هنا لسنا بمعرض شرح تفاصيل وأسباب والأعراض الجانبية لهذه المتلازمة بقدر ما نحاول أن نبين أنها باتت حالة طبيعية في المجتمع الحزبي العراقي، بعد أن حولوا هذه الحالة المرضية من حالة التمني إلى حالة التحقيق، من خلال الأساليب والخطوات التي تساعدهم على تحصيل الأموال من مختلف الجهات والطرق، بعد أن تم التأسيس لهذه الظاهرة منذ اليوم الأول من الاحتلال الأمريكي لعراق 2003 وعملية الإغراء المالي، التي مارستها سلطة الاحتلال مع الطبقة الحزبية التي عدتها لحكم العراق، التي جعلت من عملية الفساد المالي واقع حال داخل مؤسسات الدولة.

بعد العام 2003 كان من المفترض تُدار الدولة بعقلية رشيدة تقترب من المنطق العلمي والعملي، التي تدرس كل النماذج الناجحة التي حققت طفرات في التطور والتقدم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، من خلال توظيف أدوات فاعلة في رسم ستراتيجيات تعتمد بالأساس على صيغ منطقية في عملية إدارة شؤون الدولة الذي يُحدد بالمحصلة قدرة صناع القرار على تنفيذ تلك الستراتيجيات المعتمدة على التخطيط والتفكير الستراتيجي المُتجدد، وهذا يأتي من خلال الفهم الواضح لمعطيات الأحداث الداخلية والتعامل مع المحركات الاجتماعية واحتياجاتها، فضلاً عن التركيز على تعزيز قوة الدولة من خلال قوة مؤسساتها والعالمين داخل هذه المؤسسات من حيث مقياس الكفاءة وتراكم الخبرة، ما حدث في العراق خلاف ذلك بعد أن تم اتباع سياسة مغايرة لا علاقة لها بعملية بناء الدولة والتقدم والتطور، وبات الفرد يحلم بحقيبة المال التي تتحدث عنها متلازمة سواء بالسعي للحصول على مقعد داخل السلطة التشريعية أو مكانة مرموقة في 

التنفيذية.

من خلا ذلك التفكير والسلوكيات المغلوطة أستشرى الفساد المالي والإداري بشكل خطير وتغلغل داخل جسد الدولة العراقية بعد أن تحولت عملية الاختيار والاتفاق من خانة الكفاءة والضرورة إلى خانة تحقيق المصلحة الحزبية والشخصية، وفق معادلة الحصص التي يتخللها الأغراء المادي من هذا الطرف أو ذاك، حتى بات الفساد المالي معضلة مستمرة لا معالجات لها بسبب الحلقات والدوائر، التي تم تحقيقها خلال هذه السنوات الطوال من الفوضى والعجز في عملية الإدارة والتنظيم، مما ساهم في حفر جذور عميقة في ارض العراق فاصبح من الصعب إيجاد حلول بعد أن تم تغييب المصلحة العامة وحصر العمل الحزبي على تحقيق المصالح الضيقة التي أعطت أسوء نموذج في المنطقة، من ثم أصبحت السياسة مدعاة الخطاب السياسي لهذه الجهة أو تلك دون الخوض في تفاصيلها العملية والواقعية، حتى بات الحديث في العراق اليوم يدور حول حصة هذا المكون أو ذاك واستحقاق هذه الجهة أو تلك الأمر، الذي جعل السياسة بلا معنى.