رعد كريم عزيز
ما أن صعد الدولار لاهثا نحو الاعلى, مبتعدا عن السعر الرسمي المعلن للبنك المركزي العراقي,حتى صعد الخبز برفقة الدولار منزلا من وزنه ومن عدده, فبعد إن كانت الأغنية الشعبية تصدح باسعار الرغيف (الصمون عشرة بالف) حتى, تهاوى العدد إلى ٦ صمونات أو ٤ أرغفة ولسان حال مالكي الافران يقول إن أسعار الطحين ارتفعت وكله مستورد, وبذلك فان عدد الارغفة يتناقص والأسعار ترتفع.
وكذلك اسعار الامبير للمولدات الاهلية, والبصل والطماطم والخس, بعد أن كانت الأسعار شبه مستقرة تناسب ذوي الدخل المحدود, ولنا أن نعدد جميع المهن ومرافق الحياة، التي تهم المواطن صحيا وغذائيا وحاجات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا المعاصرة.
السوق العراقية وعمليات البيع والشراء, لا تخضع للرقابة النزيهة, ولا تتابعها الحكومة وفق قوانين واضحة للعامة، حتى يمكن أن يساعدها المواطن, في الاخبار عن التجاوزات, لكي تتوازن عمليات الصرف مع ما يحصل عليه المواطن من أجور.
هناك من يقول لايمكن أن تعد الانترنيت, أو الخروج بنزهة مع العائلة, أو زيارة الاصدقاء أو شراء كتاب, أو التفكير بسفرة قصيرة داخل العراق من الضروريات, وحتى زيارة طبيب, من الضروريات, وكأن المواطن عبارة عن كائن يستيقظ صباحا ليشرب الشاي وكسرة خبز, وهو يستر جسده بخرقة مثل الناسك, بينما العالم يسير في تطوره, بوتائر سريعة تشمل جميع نواحي حياته المتغيرة كل يوم.
لا يمكن ان نفصل بين, سماع اخبار الطلاق, والانتحار والجرائم المروعة بحق الأطفال, وتفشي الأمية, وازدياد حوادث المرور, وانتشار التك تك والدراجات النارية, وأنواع السيارات رديئة المنشأ, وبين خط الفقر الذي يهبط نحو القاع شاملا فئات اخرى كانت تأمل, أن تنتشلها القرارات الحكومية في الموازنة وفق رؤية ستراتيجية مستقبلية, فما زال المتقاعد يراوح في منطقة الامل المرتجى بمعاينة ظروفه وفق متطلبات الحياة الجديدة, والخريج لا يعرف مصير شهادته, والتجار لا يعرفون مصير بضاعتهم ولو لشهر واحد, إزاء تقلبات السوق القافزة مثل قرد السيرك الوقح.
فإذا كان الرغيف لا يتحرك سعره مع نزول سعر صرف الدولار, ويبقى صغيرا, لا يملأ عين المواطن ولا كيس التسوق, فإن السؤال يبقى مؤجلا أمام عيادة الأطباء, وأبواب الصيدليات, وأسعار سيارات الأجرة, وفتح الشوارع ونظافة الأحياء واكساء المتهالك منها, ووووو… الحياة بأكملها تبدأ بالرغيف ولا تنتهي عنده, لأن المواطن يريد الرغيف والموسيقى, والصحة والسفر, والكتاب والانترنيت, والأجور المجزية والاحترام عند مراجعة الدوائر الرسمية, لأنه مواطن يحمل إرثا من الوعي والذكاء والتجربة, والتأثر والتأثير, في محيطه المحلي والإقليمي والعالمي, والشواهد كثيرة.
هذا المنطق ـ الرغيف والدولار ـ كان في السابق, يحمل معه الاعلان عن الاحتجاج والهيجان والثورة, بينما الان العراقي يلوك الرغيف, مهما كان سعره وهو صامت, لا يقوى على الاعتراض, ماعدا بعض النقاشات في سيارة النقل العام, أو السؤال الخجول لاصحاب المهن, الذين يلوذون بالصمت, وهم يمدون أكفهم لاستلام النقود كاملة غير منقوصة من المواطن الصاغر, والصامت بدافع الاضطرار والحاجة, لكي يبقى مقاوما لظروف حياته الصعبة غير المستقرة.