نوزاد حسن
احيانا يتفاجأ البغدادي حين ينتبه على أن نهاية الشارع الذي يسير لم يعد مغلقا. اختفت الحواجز الكونكريتية الثقيلة، التي كانت تقطع أوصال المناطق منذ سنوات. وبنوع من النشوة يقول المواطن: خطوة جيدة.
لكن لنحاول أن نكبر الصورة اكثر تحت مجهر طموحنا. سنقول إننا نطمح إلى المزيد. وفتح عشرات الشوارع ضرورة مهمة، لأنها ستقلل من الازدحامات التي تشل حركة المواطنين. إذن نحن امام خطوة وبقيت هناك خطوات ننتظر جميعا
تحققها.
لا يليق ببغداد أن تكون مدينة بهذا الشكل, مهملة, غير متناسقة الابنية, وتفتقر إلى المساحات الخضراء, وتنظيم الطرق, وضبط حركة المرور. دعوني أصف بغداد بأنها مدينة يسكنها تمرد شعبي واضح. ليسر أي إنسان في إحدى اسواقها. سيحس بفوضى امتلاء الارصفة بأغراض تعرض على حساب حركة المواطنين على الرصيف.
ابتداء من الرصيف تحدث سرقة المواطن العراقي. تترك دائما مساحة ضيقة له للمسير. وهنا يجد نفسه خارج مكان خصص له, فينزل إلى الشارع الذي يملأه ضجيج عربات التك تك, والسيارات وعربات الحمالين.
الرصيف يسرق مني, وهذا أحد أبسط أنواع السرقة, ولا داعي للصعود إلى أعلى سقف الكلام. إننا في حقيقة الأمر نواجه وضعًا صعبًا مليئا بتمرد في كل مكان, وفي اية لحظة.
أظن لو إن جبرا ابراهيم جبرا يعيش في بغداد هذه الأيام لأحسَّ بانهيار عصبي, ذلك لأن جبرا كان يحلم ببغداد غير هذه المدينة التي نعيش فيها. لم تخطر مناظر الكآبة, وفقدان الجمال على بال جبرا. كان يظن لانه حالم ان تاريخ اي مدينة عريقة سيتفجر تنظيما وتطورا.
اقول: انتهى حلمك ياجبرا, وها انا ذا اسير في شوارع يعرف من يسير فيها حجم التعب الذي يتعرض له الانسان وهو يشق طريقه يوميا في هذه الحركة غير المنتظمة.
ان افضل هدية يقدمها لنا عدم النظام, هذا هو الصداع البغدادي المعروف عندنا جميعا.
يبدأ صداعا هادئا يتركز فوق
الحاجبين.
نظن انه بسبب شاي الصباح. لكن نكون مخطئين لان الصداع سيزيد عند الظهيرة, ويتحول إلى الم يشمل الرأس كله.
هل اقول تعودنا؟ اي سؤال هذا. لكن طموحنا يقوى كل يوم في وضع لمسات تظهر مدينة جبرا مرة اخرى.
لمسات حقيقية تكشط الغبار الذي تكلس على وجه بغداد التي تنتظر ان تعود مدينة جديدة.