سناء الوادي
قالها كيسنجر ذات مرّة مخاطباً العرب «إذ كنتم تريدون خوض الحرب عليكم بمصر، وإذا كنتم تريدون السلام عليكم بسوريا «، وقالها الصحفي الإيرلندي باتريك سيل «لا يمكن السيطرة على الشرق الأوسط بدون السيطرة على دمشق». في السابع من آيار الحالي تمخّض اجتماع وزراء الخارجية العرب، عن قرار رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية والمعمول به منذ اثني عشر عاماً نأت فيها دمشق عن العالم العربي ودأبت تحارب الإرهاب والظلم والتقسيم وحيدةً خلا بعض الأصدقاء الأوفياء،
عانى شعبها الأمرّين من قساوة العيش وحصد الأرواح ومرارة اللجوء، فامتلأت عناوين الأخبار بالعاجل عن عودة دمشق للحضن العربي، ألا يعلمون أنهم هم المفتقدون لاحتضانها والمدركون لأهميتها الجيوسياسية والاستراتيجية في الإقليم، لم تكن الجهود الفاعلة لإعادة العلاقات بينها وبين الدول العربية وليدة اللحظة لكنّها بدأت منذ عام ونيّف، عبر لقاءات على أعلى المستويات الأمنية ومن ثم اجتماعات وزراء الخارجية بوساطة روسية، ما يعني أن هناك ضغوطاً عربية سريّة على أمريكا بضرورة عودة العلاقات الثنائية، تمثّل ذلك بغض الطرف عن مرور خط الغاز المصري إلى الأردن ولبنان.
إنّ غياب دمشق في الفترة الماضية عن المشهد السياسي العربي كانت له تداعياته القاسية، التي طالت دول الجوار سواءً من حيث الإرهاب الغادر الذي عصف بأمن المواطنين أو من حيث لجوء الجماعات المسلّحة لتجارة الكبتاغون (المخدرات) لتمويل نفسها، وأمّا موضوع اللاجئين الذي اتخذه البعض ذريعة لسوء الأحوال الاقتصادية في بلدهم، فكان الشغل الشاغل للسياسيين.
وعلى الوجه الآخر من الصورة فإن انتصار الجيش السوري في إعادة فرض السيادة على 95% من أراضي الدولة وقطع يد الإرهاب وصموده أمام كل طامعٍ أراد تفتيت البلد ونهب مقدراته، هنا يكون لزاماً على الدول التي كانت تراهن على سقوط سوريا بعد خلق حالة الفوضى، والتي سيستفيد منها في المقام الأول العدو الإقليمي الغادر إسرائيل أن تعترف بهذا الانتصار، وبالتالي عليها أن تعود مجدداً لمد جسور التواصل والتجارة لحماية مصالحها أولاً وقبل كل شيء، فالعبث السياسي المسيطر على الساحة، لم يصب سوى في بوتقة الكيان الصهيوني، الذي تمدّد لدرجة تجرؤه على عرض الاستضافة للسودانيين لتسوية الصراع في ما بينهم، ناهيك عن بروز دور دمشق كصمامٍ للأمان في العلاقات العربية الإيرانية، والتي شهدت مؤخراً تحسناً كبيراً كان لدول الخليج نصيب الأسد منها وقد تتبعها مصر لاحقاً، إضافة للشأن التجاري، الذي سيشهد انفراجا كبيراً بعد عودة التواصل البيني بين دول الجوار وفتح طريق التجارة الدولي إلى تركيا فأوروبا، وهنا يمكن تبرير سعي أردوغان الرئيس التركي لتلميع صورته الانتخابية بمحاولات حلحلة النقاط الخلافية مع سوريا، وأبرزها مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا وضبط الحدود لمنع تكتل الأكراد في الشمال السوري والجنوب التركي ضد حكومة أردوغان، ولربما سيدير ظهره قريباً لجبهة تحرير الشام التي يدعمها والمتمركزة في شمال إدلب، إذاً وكنتيجةٍ لذلك فالكل مستفيدٌ من الانفتاح على الشام بما في ذلك الصين راعية مشروع طريق الحرير، إنّ ذلك لن يتحقق حتى تنعم المنطقة العربية الآسيوية بالأمن والاستقرار وإنهاء الخلافات، وهذا بالضبط ما يندرج بين جنبات المشروع النهضوي السعودي لولي العهد محمد بن سلمان، ناهيك عن لبنان الشقيقة التي قد تشهد انتعاشاً سياسيا واقتصادياً ينهي حالة الاحتقان التي تعيشها.
وفي هذا السياق لا ننكر أن دمشق بحاجة ماسّة إلى الدعم بعد سنين الحرب، التي استنزفت طاقتها واقتصادها كما هي راغبة بتكاثف الجهود العربية لمزيد من الضغط على القوى، التي تحتل جزءاً من أراضيها وتسرق نفطها، فقبل الحديث عن ملف إعادة الإعمار والذي ستتنافس عليه الدول هي تريد استرجاع مقدراتها وثرواتها، وبالتأكيد فإن سورية مرحبة بالمبادرة الأردنية التي أفضت إلى إنشاء لجنة اتصال خماسية مع دمشق مكونة من العراق ومصر والسعودية ولبنان والأردن لإيجاد حل للأزمة، وفق مبدأ «الخطوة مقابل الخطوة»، ستسعى جاهدة لبسط يد التعاون والتوافق مع الأشقاء العرب.
مؤكداً ما يهم مواطني الداخل من عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة كبداية تتبعها الكثير من الإجراءات التي ستضخ الدم في شرايين الواقع الاقتصادي، الذي يعيشه الناس بعد عودة الأموال الخارجية للتدفق والاستثمار وما يتبع ذلك من خلق فرص عمل هائلة.
هنيئا لشامنا هذه العودة فهي تستحق هذا الانتصار الدبلوماسي والسياسي.
كاتبة سورية