جينين هينيس- بلاسخارت*
اليوم الدولي لأُمّنا الأرض هو اليوم الذي نحتفي فيه بنِعم الطبيعة ونعزز ونظهر وعينا تجاه الدعوة لضمان الأمن البيئي لكوكبنا. ولهذا أهمية متزايدة في العراق، هذا البلد الخارج من سنوات من النزاع المسلح، والذي يواجه مجموعة من المشاكل البيئية، فمن أزمة المياه المستمرة التي تهدد الاستقرار والتنمية إلى التلوث، وما يزيد هذه المشاكل سوءاً هي محدودية التوعية بما يمكن للناس المساهمة به في رفاه بيئتنا.
ويعد التغير المناخي أحد أكبر الأخطار التي تهدد التنمية المستدامة على مستوى العالم، وأثره يطولنا جميعاً. ولا يعد العراق من بين أكبر المتسببين في التغير المناخي، ولكنه من بين البلدان المتأثرة به كما يتضح من الظروف الجوية القاسية خلال السنوات القليلة الماضية - أي درجات الحرارة المرتفعة والتصحّر ونقص المياه والأمطار الغزيرة والفيضانات الأخيرة.
ويقع العراق بما كان يعرف فيما مضى باسم بلاد ما بين النهرين، أي الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات. وتاريخياً، كان السكان قادرين على التمتع بحقهم في المياه. وفي الواقع، كانت وفرة المياه عاملا رئيساً في تطور الحضارات العراقية الغنيّة.
ومع ذلك، تبقى أزمة المياه حقيقية. فرغم الموسم الاستثنائي الوفير بكميات الأمطار التي ملأت السدود والأنهار حتى غمرت الأراضي، لا يزال العراق يواجه أزمة مياه من حيث الإمدادات والجودة. ومع اقترابنا من موسم الصيف اللاهب، لا يتوقع إلا أن تتفاقم الأزمة.
وتسهم عوامل النمو السكاني والخلافات الإقليمية بشأن إمدادات المياه عبر الحدود وضعف البنية التحتية والممارسات غير الحديثة لإدارة المخلفات والمياه وزيادة نسبة الملوحة وتغير المناخ بمجملها في مشاكل المياه المعاصرة في العراق. وللعواقب أثر ملموس في جميع المستويات الإنسانية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.
وعليه، ينبغي ألا يدخر أي جهدٍ لإدارة هذه الأزمة، وهناك حاجةٌ ماسة لإدراك كونها مسألة ملحة. ويوازي ذلك أهمية إطلاع المواطن العراقي على أن الحلول المستدامة لمعالجة الضرر الذي لحق بالبيئة ستستغرق بعض الوقت وأن الطريق أمامنا طويل وليس سهلا على الإطلاق. وإن عقوداً من الركود ونقص الاستثمار وسوء الإدارة لا يمكن معالجتها بين عشية وضحاها.
وليس كافياً الاعتماد فقط على قوة الطبيعة لإصلاح الضرر. فلا بدّ لنا من التصرف الآن، إذ نحن الحماة لكوكبنا. يبدأ العمل من المنزل وفي محل العمل من خلال إدارة الموارد المائية والنفايات، وتدابير المحافظة وخطة خضراء تضع التوعية في المقدمة.
وقد وضعت الحكومة العراقية تحسين إدارة المياه على سلم أولوياتها. ولكي يكون هذا الجهد فاعلاً، تدعو الحاجة لتخصيص موارد كافية ولبناء القدرات على جميع المستويات. ولا يمكن أن ينجح ذلك من دون التزام قوي من الأحزاب السياسية - على امتداد الطيف السياسي - للتعامل مع قضيةٍ ذات أهميةٍ وطنيةٍ عاليةٍ كهذه. فالموارد المائية محدودة وتشح بشكل متزايد. إذ يجب أن يكون هناك تغييرٌ في نهجنا تجاه هذا المورد الثمين. فمع الحقوق تأتي المسؤوليات. وكل قطرة ماءٍ تحتاج إلى ترشيد الاستهلاك على جميع المستويات. ويجب أن يكون هدر الماء غير مقبول اجتماعياً، وأن يتم تعزيز الحفاظ عليه.
وعلى المنوال نفسه، فإن إدارة النفايات تتطلب التوعية والعمل. ويعد تشجيع التغيير السلوكي وإعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية وتحديثها، وكذلك ضمان وجود بيئةٍ خاليةٍ من الملوثات وصديقة للبيئة بعضاً من التدابير الرامية إلى وقف الهدر والأضرار. ومن الواضح أن هناك الكثير مما ينبغي عمله في جميع القطاعات. وعلى عاتقنا تقع مسؤولية القيام بهذا العمل، حتى باتخاذ خطواتٍ صغيرةٍ ولكنها فعالة تسهم في رفاه بيئتنا.
فلنقم بإعادة تدوير وفرز النفايات متى ما أمكن. ونحافظ على المياه والطاقة قدر الإمكان. ونفكر قبل استخدام البلاستيك - الأكياس والأكواب والصواني، وفي كيفية التخلص من البطاريات. ونزرع شجرةً ونشاهدها وهي تنمو. ونجعل من إطفاء الأنوار والأجهزة الفائضة عن الحاجة سلوكاً معتاداً. ونضبط درجة مكيف الهواء أعلى في فصل الصيف وأقل في فصل الشتاء. ونقلل من قيادة السيارة، ونتشارك في التنقل بالسيارة أو نتنقل بدراجة هوائية، وأن نمشي متى ما استطعنا. ونبلّغ عن التسربات والانسكابات مهما كانت صغيرة. فلنكن نحن الحماة لأنفسنا فحسب. ونثقف أُسرنا وأصدقاءنا حول فوائد حماية البيئة. فمع أن هذا البلد يتمتع بموارد طاقة طبيعية هائلة، فإن الطاقة المتجددة توفر بديلا نظيفاً وفعالا.
والأمم المتحدة في العراق تقوم بدورها في هذا الصدد. إذ تقدم أسرة الأمم المتحدة في العراق الدعم الفني للحكومة بشأن الإدارة الفعالة للموارد المائية. اضافة إلى ذلك، قدمت الأمم المتحدة منذ عام 2017 إمداداتٍ طارئةً من المياه لأكثر من مليوني نازح في العراق، ولخمسة ملايين فرد في المجتمعات المتأثرة بالعنف والنزاع. كما تدعم الأمم المتحدة الحكومات المحلية في تطوير شبكات المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي.
وفي مقر الأمم المتحدة في العراق ببغداد، نحن نستخدم الطاقة الشمسية وغيرها من التدابير الموفرة للطاقة لتحقيق خفضٍ بنسبة 50 في المئة من الطاقة التقليدية التي نستخدمها بحلول نهاية عام 2020. وتتسم كل الإنشاءات الجديدة بالكفاءة في استخدام الطاقة، حيث تستخدم طاقة أقل بنسبة 50 في المئة من المباني التقليدية، ويتم تحديث المباني الحالية بحيث يقل استهلاكها للطاقة بنسبة 30 في المئة مقارنة بالمباني التقليدية. ونحن نستعمل الأكياس القابلة لإعادة الاستخدام والأكياس الورقية بدلا من البلاستيك، ونهدف إلى تخضير 25 بالمئة من مساحة الأرض. ونستخدم المياه المعاد تدويرها للري، والإضاءة والتكييف الموفرين للطاقة، وعلى القدر نفسه من الأهمية، لدينا حملات توعيةٍ على مدار السنة حول كفاءة استخدام الطاقة.
إن حجة البعض بأن التدابير التي يمكننا اتخاذها، سواءٌ على نحو فردي أو جماعي، لن تحدث فرقاً ليست صحيحة. فضخامة المشكلة تتطلب قيام كل واحد منا بدوره. لذا، فابدؤوا اليوم، في هذه اللحظة بالذات، للمساعدة في إنقاذ أمنا الأرض وجعلها مكاناً أفضل لأُسركم وللأجيال القادمة.
* الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق