كاظم لفتة جبر
يتفق أغلب منظري الفكر السياسي على أن مفهوم المواطنة، يعبر عن المشاركة في الانتخابات السياسية، والممارسات الثقافية التي تعبر عن الانتماء إلى حضارة هذا البلد وأرضه.
أما الانتماء السياسي فهو يعني الإتباع أو الاندماج المادي والفكري مع جهة أو أيديولوجيا حزبية معينة.
ويصطبغ هذا الانتماء الأيديولوجي للفرد جميع الجوانب، التي يتعامل معها في حياته، كنظرته إلى الآخر والدين والثقافة والسياسة.
كما يتعدد مفهوم المواطنة بحسب إمكان استعماله، فطبيعة النظام السياسي هي التي تحدد معنى المواطنة بحسب أيديولوجيتها السياسية.
ففي الأنظمة الاستبدادية تجد الذي يحدد معنى المواطنة والانتماء للوطن، هو الاتفاق مع أيديولوجيا الحاكم السياسية في إدارة النظام للبلد، والمعارض لذلك النظام لا ينطبق عليه صفات المواطن، ويحرم من الحقوق، وهذا حال المواطن العراقي إبان حكم النظام السابق قبل 2003، أما في الأنظمة الديمقراطية، التي تتبنى المحافظة على حقوق الإنسان والحريات الأساسية، يكون معنى مفهوم المواطنة مرناً، إذ تحددهُ الخدمات التي يقدمها الفرد للبلد.
سواء كان الفرد مواطناً اصليا أو مجنسا.
أما في ما يخص النظام السياسي في العراق بعد العام 2003م، الذي وصف بأنه نظام ديمقراطي مبني على الاتفاق والمشاركة والحفاظ على الحريات والحقوق، لم نجد من الديمقراطية إلا شكلها المقيت القائم على الانتماءات الحزبية والطائفية والقومية.
فالمواطنة تقوم على أساس المشاركة واحترام حقوق الأفراد الآخرين المختلفين معنا في الأرض نفسه، بعكس الانتماء السياسي الذي يقوم على مبدأ النفي للآخر المختلف عنا أيديولوجيا.
وهذا ما جعل النظام السياسي الجديد يقدم الانتماء السياسي على المواطنة، وذلك أدى إلى نشوء المحاصصة، والطائفية، والتفرد، وانتشار آفة الفساد، وعدم التخصصية في الإدارة، وغياب الفكر الليبرالي، وبالتالي غياب سلطة الدولة بين التفرعات الحزبية والانتماءات والتبعيات الفكرية، سوى كانت هذه الأيديولوجيات داخلية من خلال الطائفة، والقومية، والقبلية، أو خارجية لدول وأفكار سياسية شمولية.
فالمواطنة تنتج لنا مواطنين، أما الانتماء فينتج لنا جمهورا، وفرق شاسع بين المواطن والجمهور، الاول يقوم الانتماء إلى الأرض والدم والثقافة، أما الثاني فيقوم على المصلحة والتمكين من السلطة، فالمواطن لا يحدد انتماءه لوطنه المنفعة والمصالح الشخصية، ومهما حدث للوطن من ملمات ومحن.
بعكس الجمهور السياسي التابع لحزب معين، أو أيديولوجيا سياسية معينة، السلطة وقربه من إدارة الدولة هي من تحدد انتماء الجمهور له، فالمواطنة تقومها القيم الأخلاقية والرمزية الوطنية والحضارية، بعكس الانتماء أو بالأحرى الإتباع تقوم العلاقة على المصالح الشخصية والانتفاع من السلطة.
ولغرض بناء الدولة يجب اعتماد المواطنة كأساس في المشاركة السياسية، والابتعاد عن الانتماءات الفرعية والجزئية، لأن التبعيات لا تولد لنا الا مزيدا من التفتت لمفهوم الدولة وغيابا، لسلطتها وسط ضياع الهوية الوطنية للأفراد والمعالم الحضارية للبلد.