آمال اقتصاديَّة باهتة

آراء 2023/05/18
...

 ميادة سفر

 

ينظر السوريون بكثير من التفاؤل بتحسن اقتصادي ومعيشي بعد مبادرات التقارب والانفتاح العربي مع دمشق، بعد سنوات من الازمات التي شملت كل مناحي الحياة ومتطلباتها، فبعد أن كان الاقتصاد السوري قبل 2011 مكتفياً ذاتياً، وكان المواطن السوري يعيش في «بحبوحة» إذ تمكن من تأمين معظم -إن لم نقل كل- احتياجات المواطن السوري المعيشية، سواء تلك الأساسية منها أو حتى الكماليات، التي كانت في وقت من الأوقات حكراً على الطبقة الغنية في المجتمع، لم يكن ثمة فرق كبير بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع السوري، الذي غلبت عليه الطبقة المتوسطة بحيث كانت أغلبية الشعب تعيش بمستويات متقاربة، بات اليوم يعيش كفاف يومه جراء العقوبات الجائرة التي فرضت عليه من دول عدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

غير أنّ الآمال والأحلام لا تؤسس واقعاً، فلا شيء يبدو في الأفق يشي بأي تحسن أو آمال في انتعاش الاقتصاد السوري أقله في المدى المنظور، فما زال سعر صرف الدولار الأميركي يتجاوز الحدود المحتملة لمواطن لا يكفيه راتبه الشهري عدة أيام كحد أقصى، متجاوزاً في ما يسمى السوق السوداء عتبة التسعة آلاف ليرة سورية مقابل الدول الواحد، مما يبقي المواطن عند عتبة الفقر والعوز الذي بدأ يعاني منه منذ بداية أحداث 2011 والحرب التي فرضت على سوريا، والعقوبات الأميركية والأوربية التي أنهكت الاقتصاد السوري والشعب على حد سواء.

جدير بالتذكير في ظل هذه الظروف القاسية الإشارة إلى أن المواطن في سوريا لم يكن قبل العام 2011 يعير اهتماماً ولا انتباهاً لسعر صرف الدولار الأميركي، حتى أكاد أجزم أن الأغلبية «ما عدا التجار والصناعيين ورجال الأعمال طبعاً» لم تكن تعرف سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية إلا من خلال النشرة الاقتصادية التي كان يعرضها التلفزيون السوري، أما اليوم فقد أصبح الحاضر الدائم على موائد السوريين، وحديث السهرات ومفتتح اللقاءات حتى بين أبسط الأشخاص، بسبب الارتفاع الفاحش في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية.

أفرزت الحرب على سوريا اقتصاداً مدمراً في معظم جوانبه وأزمات متتالية ليس أولها أزمة الكهرباء والطاقة من غاز ومازوت وبنزين وسواها، الأمر الذي يتطلب جهوداً مضاعفة ومكثفة للنهوض بالبلاد اقتصادياً وسياسياً، وعلى الرغم من أنّ الانفتاح العربي على دمشق اقتصر في الوقت الراهن على الجانب السياسي والدبلوماسي، عبر إعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات التي أغلقت مع بداية الحرب، إلا أنّ التحول إلى الجانب الاقتصادي يبدو حتمياً وإن تطلب بعض الوقت والإجراءات التي تضمن مناخاً استثمارياً آمناً للدول ورجال الأعمال والصناعيين الراغبين في العودة إلى سوريا والاستثمار فيها والإسهام في إعادة الإعمار، فلا بدّ من سن القوانين والتشريعات التي تقدم تسهيلات لأعمال المستثمرين وتبعدهم عن الروتين والبيروقراطية القاتلة، فضلاً عن ضرورة مكافحة الفساد الذي يشكل عائقاً أساسياً في وجه أي عمل أو محاولة، علماً أن العقوبات الأمريكية التي ما زالت سارية بحق الدولة السورية ستشكل عائقاً آخر أمام الرغبة العربية بمد يد المساعدة والاسهام في تحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري، ويبدو أنّ المساهمة ستقصر حالياً على تقديم المساعدات الإنسانية التي أعفيت من العقوبات بعد كارثة الزلزال الذي ضرب البلاد في شباط الماضي، ريثما يتم التوصل إلى حلول تنقذ هذه البلاد مما فرض عليها.