قمَّة جدَّة في عالم مختلف

آراء 2023/05/22
...

 حمزة مصطفى 


لا يزال العرب بمن فيهم النخب الفكرية والثقافية رهائن تفكير قديم بشأن لاجدوى القمم العربية.

هناك من يربط الفشل المتكرر منذ أول قمة عقدت في القاهرة عام 1964 على وقع العالم آنذاك، حيث الحرب الباردة بين القطبين (الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي) وعدم الانحياز واليسار الثوري وكاسترو وجيفار ونهرو وسكارنو وعبد الناصر وتيتو.

وهناك من يرى أن الفشل رافق القمم العربية منذ قمة الخرطوم على الأقل بعد نكسة حزيران عام ،1967 والتي سميت قمة «اللاءات الثلاث» حيث سرعان ما اختلفت الظروف العربية والعالمية إلى الحد الذي سعى العرب ان يظفروا ولو بلا واحدة حتى ولو منقوصة. 

من هذا المنطلق يتساءل هؤلاء ومعهم جمهور عربي وازن عن جدوى عقد المزيد من القمم العربية، بمن فيها قمة جدة الآن، حيث تحضر الخرطوم صاحبة قمة التحدي قبل أكثر من نصف قرن وهي مقسمة بين جنرالين لايعرفان لماذا يتقاتلان. 

الأمر ليس بهذه البساطة على أية حال. 

فالعالم كله من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه يعقد قمما وبمستويات مختلفة وصيغ مختلفة ونوايا وأهداف مختلفة. 

الأفارقة يعقدون قمما برغم أن مشكلاتهم «معرة» مثل مشكلات العرب وربما أكثر.

الأوربيون يعقدون قمما برغم ما بينهم من اتحادات وتكتلات وقواسم في الاقتصاد والسياسة والتسليح.

الآسيويون يعقدون قمما ويقيمون تكتلات، فضلا عن القمم العالمية الدورية المعروفة مثل قمة العشرين وقمة الدول السبع، فضلا عن تجمعات عالمية دورية مثل دافوس وغيرها.

وكل هذه القمم والتجمعات تخرج بنتائج متباينة لكنها تظل أحيانا عاجزة عن مواجهة ظروف مختلفة قد لاتخطر على بال أحد.

فحين ظهر فيروس كورونا وعزل العالم كله وأوقف كل مطاراته وسفنه وبواخره وشركاته ومصارفه لأكثر من عام، لم تنفع أي من تلك القمم في مواجهة هذا الفايروس الإ بعد مدة حين التقط العالم أنفاسه.

لكن هذا العالم وبرغم كل ماحصل من انهيارات بقي يعقد القمم، حتى ولو عبر دوائر تلفزيونية مغلقة. 

ليس هذا فقط فإنه برغم كل القمم العالمية وعلى مختلف مستوياتها وموضوعاته، فإن العالم لم يتمكن من اللحظة، التي انهارت فيها أسعار النفط قبل أن تعاود الارتفاع بعد حين.

الأمر نفسه ينطبق على الكساد الاقتصادي، الذي حل بالعالم خلال السنوات الماضية بمستويات مختلفة. 

الأهم أن كل القمم العالمية لم تمنع بوتين من إعلان حربه على أوكرانيا، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

قبل الحرب كانت تعقد قمم وبعد الحرب استمرت القمم تعقد وبعد أن تضع الحرب أوزارها سوف يبقى العالم يعقد قمما.

إذن لماذا يتصور الكثيرون أن لا جدوى من القمم العربية؟

أمر لايحتاج إلى مزيد من النقاش إذا أخذنا بنظر الاعتبار حالة التشرذم العربي.

لكن اليوم وبالقياس إلى أوقات سابقة نستطيع القول إن أمام العرب فرصة ثمينة للوقوف على أقدامهم وطرح أنفسهم كتلة قوية قادرة على التاثير في المعادلة السياسية الإقليمية والدولية. 

فالعرب وبرغم خلافاتهم لكنهم تمكنوا من إعادة سوريا إلى موقعها في البيت العربي. 

الخلافات تقلصت إلى الحد الذي لم تقاطع أية دولة عربية القمة، ناهيك عن المشاركة رفيعة المستوى بالقياس إلى قمم سابقة.

كذلك ما يحيط بالعالم العربي من بيئة إقليمية مناسبة، لا سيما بعد المصالحة السعودية ـ الإيرانية يعد متغيرا يمكن البناء عليه.

عامل آخر يمكن أن يستفيد العرب من مخرجاته هو إنهم أصبحوا لاعبين ولأول مرة في سياق الصراع الأميركي ـ الصيني ـ الروسي. 

كل هذه العوامل وسواها من شأنها أن تجعل من قمة جدة مختلفة لجهة ارتفاع نسب نجاحها بالقياس إلى كل القمم التي سبقتها في الماضي.