قراءة في المادة {12} من مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا

العراق 2019/04/22
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
لقد جاء في الاسباب الموجبة لمشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا (عملا ً في المواد(52 و92 و93 و94 و97 ) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 ولمواكبة ما ورد من تغييرات في العملية الديمقراطية والمؤسسات الدستورية ولما افرزه التطبيق العملي لأحكام القانون النافذ شرع هذا القانون ) وقد جاءت في المادة 2 /  اولا - تتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس وأحد عشر عضوا على النحو الآتي 
أ - رئيس المحكمة ويكون من القضاة .ب – نائب الرئيس ويكون من القضاة .ج – خمسة أعضاء من القضاة  د – اربعة اعضاء من خبراء الفقه الاسلامي هـ - عضوان من فقهاء القانون .) وقد جاء مشروع  القانون  لإلغاء قانون المحكمة الاتحادية رقم (30)  لسنة 2005 بعد ان يتم اقراره من قبل مجلس النواب العراقي وحسب المادة (22/ اولا ً) من المشروع  ، إن انشاء المحكمة الاتحادية العليا بموجب الامر رقم 30 لسنة 2005 والتي تمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير القانون  جاء كمعطى حقيقي لمرحلة التأسيس  الجديدة التي استطاع القضاء من خلالها ان يعيد تشكيل مجلس القضاء وينهي التبعية القضائية للسلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة العدل عبر تأسيس مجلس القضاء الاعلى بموجب الأمر 35 بتاريخ 18 /9 / 2003 والذي على اساسه اصبح القضاء سلطة محورية تؤدي دورها الحيوي في بناء الدولة العراقية ،دولة القانون والمؤسسات الدستورية وبالتأكيد ان ذلك يستدعي ظهور هيئات قانونية ودستورية فبعد مرحلة صدور قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية  صدر الدستور العراقي الدائم الذي انهى المرحلة الانتقالية للدولة لتتشكل مؤسسات الدولة الدستورية ويطل العراق على مرحلة ديمقراطية جديدة يكون الحكم فيه للقانون ضمن سقف المظلة الدستورية التي اعتمدت في ادارة الدولة الاتحادية الواحدة المستقلة ذات السيادة الكاملة ونظام الحكم فيه جمهوري نيابي ديمقراطي قائم على مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فكل سلطة تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس هذا المبدأ حسب المواد (1 و47  ) من الدستور ولان القضاء يمتلك صلاحية التطبيق القانوني للتشريعات التي يصدرها مجلس النواب وتنفذها السلطة التنفيذية عند ممارسة اختصاصاته  فقد منحت السلطة القضائية الاستقلالية والتنوع  تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفق القانون والتي وردت في المواد  ( 87 و88) من الدستور وتتكون السلطة القضائية وحسب المادة (89 ) من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز وجهاز الادعاء العام وهيأة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الاخرى ،وقد اختصت المحكمة الاتحادية العليا المستقلة ماليا واداريا دستوريا في المادة (93) بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة من السلطة الاتحادية والفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية والفصل في المنازعات بين حكومات الاقاليم والمحافظات والفصل بين تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للإقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم والفصل بين تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائية للإقليم او المحافظات غير المنتظمة في اقليم ، اضافة الى الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والمصادقة على نتائج الانتخابات النهائية لعضوية مجس النواب كما نصت المادة (94) من الدستور على بتات والزامية قرارات المحكمة الاتحادية العليا للسلطات كافة . وبالرغم من ان مشروع قانون المحكمة الاتحادية منح الاستمرارية بالعمل في النظام الداخلي للمحكمة بالرقم (1) لسنة 2005 وتأكيده في المادة (17) من مشروع القانون على تطبيق احكام قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 وقانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 وقانون الاثبات رقم (107 ) لسنة 1979 او اية قوانين تحل محلها فيما لم يرد فيه نص خاص في هذا القانون او في النظام الداخلي للمحكمة .فان ما ورد في مشروع القانون في المادة (12 ) جاء بآليات جديدة عند صدور الاحكام لم تتضمنها نصوص القوانين المشار اليها ولا نصوص النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية فقد نصت المادة المذكورة وفي الفقرة (اولا ً ( ...وتصدر الاحكام والقرارات اما بالاتفاق او بالأغلبية الا اذا كانت الخصومة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم او اي محافظة اخرى غير منتظمة بإقليم فتكون قراراتها بأغلبية الثلثين .) وهذا يعني ان هناك قرارات واحكام تتجاوز في نسبة صدورها الاتفاق او اغلبية عدد الاعضاء كما تنص  المادة (158) من قانون المرافعات المدنية  ( تصدر الاحكام  بالاتفاق او بأكثرية الآراء فاذا تشعبت الآراء وجب على العضو الاقل درجة ان ينضم الى احد الآراء لتكوين الاكثرية ) والذي يعني
 الاغلبية البسيطة ـ 
فكما هو معلوم بان التشكيل للهيئات القضائية يكون بالأعداد الفردية (وترا ) ـ وكذلك المادة (224)  من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص في الفقرة (ب) منها ( تصدر الاحكام والقرارات باتفاق الآراء او اكثريتها وعلى العضو المخالف من الهيئة ان يشرح رأيه تحريرا ً) كما ان النظام الداخلي للمحكمة نص  في المادة (16) منه (..ويلزم ان يكون الحكم والقرار مشتملا على اسبابه فان لم يكن بالإجماع ارفق معه الراي المخالف مع اسبابه   ان ورود عبارة (الا ) الاستثنائية في التمييز عند صدور الاحكام في الخصومة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقاليم او اي محافظة اخرى غير منتظمة بإقليم وتكون بأغلبية الثلثين هو تمييز في النظر الى الخصومة ونوعها وآلية اصدار الحكم فيها وهو امر جديد لم يعتده القضاء العراقي اضافة الى التميز بين اعضاء المحكمة وصفاتهم عند التصويت لنوع موضوع الحكم  حيث ورد في الفقرة( ثانيا )  من المادة المذكورة في المشروع : يشترط في الاحكام والقرارات الخاصة بدستورية القوانين والانظمة النافذة من حيث عدم معارضتها لثوابت احكام الاسلام ـ كما ورد في المادة الثانية من الدستور ـ موافقة ثلاثة ارباع المحكمة من خبراء الفقه الاسلامي  والفقرة (ثالثا ) منها :  اشترطت في الاحكام والقرارات الخاصة بدستورية القوانين والانظمة النافذة من حيث عدم معارضتها لمبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور ـ كما ورد في المادة الثانية 
من الدستورـ 
موافقة ثلاثة ارباع اعضاء المحكمة من القضاة وفقهاء القانون ، والغريب في الامر ان مشروع القانون عند اشتراطه صدور الاحكام المتعلقة بدستورية القوانين والانظمة من حيث معارضتها لثوابت الاسلام ومبادئ الديمقراطية أرسى تمييزا واضحا بالأخذ بنظر الاعتبار بين خبراء الفقه الاسلامي وخبراء القانون عند التصويت وزاد في ذلك بان جعل موافقة ثلاثة ارباع المحكمة من خبراء القانون والقضاة من حيث عدم معارضة الاحكام والقرارات الخاصة بدستورية القوانين والانظمة النافذة لمبادئ الديمقراطية والحقوق والحريات واضافة عدد من القضاة في الفقرة الثالثة فقط دون الفقرة الثانية التي منحت خبراء الفقه الاسلامي امتيازا في تعطيل الاحكام والقرارات من حيث عدم معارضتها لثوابت احكام الاسلام ، ان هذا التمييز والاشتراط القانوني لصفات الاعضاء والتمييز بينهم عند صدور الاحكام من دون الاعتماد على آلية الراي المخالف امر بالإضافة الى صدور الاحكام بنسب معينه بخصومة استثناء ً امر جديد جاء به مشروع قانون المحكمة الاتحادية  وقد يكون الجديد الذي جاءت به المادة (12) بفقراتها الثلاث من مشروع قانون المحكمة الاتحادية عند اصدار الاحكام بسبب طبيعة عمل المحكمة الاتحادية العليا الرقابي وصلاحياتها الدستورية والتي تختلف عن عمل المحاكم العادية .