علي حسن الفواز
حمل اجتماع الدول السبع الصناعية الكبرى في مدينة هيروشيما اليابانية أكثر من دلالة، بدءاً من علاقة المكان بالتكفير عن ذاكرة الخطيئة النووية، وليس انتهاءً بتوجيه خطابات سياسية وأمنية، لها أهدافها ونواياها وحساباتها، فرغم ما ورد من استعراضية في البيان الختامي، فإنه كشف عن طبيعة السياسات التي حاول المجتمعون تأطيرها، والتلويح بها، وعبر مقاربة كثيرٍ من الملفات الدولية الساخنة.
حظي الشأن الأوكراني بالاهتمام الأكبر، فمع حضور الرئيس زيلنسكي الاجتماع، وإعلان الدعم الكامل له عسكرياً وسياسياً، فإن المجتمعين اتفقوا على تبني توسيع سياسة “حرمان روسيا من التكنولوجيات والمعدات الصناعية”، وفرض قيود جديدة على منتجاتها في مشروعات الطاقة، ومنع استيراد الماس الروسي، فضلاً عن فرض عقوبات على كيانات جديدة في روسيا وفي الدول الحليفة لها.
هذه القيود والعقوبات تأتي في ظل معطيات عسكرية معقدة، إذ أعلنت جماعة فاغنر الروسية سيطرتها على كامل مدينة “باخموت” الأوكرانية، وهذا الأمر له بُعده الرمزي والجيوسياسي، لاسيما بعد تزويد أوكرانيا بأسلحة ستراتيجية، ولم ينعكس استخدامها على مجريات الصراع العسكري..
كما لم يخل البيان من الإشارة إلى الملف الصيني، والتضمين السياسي الذي أشار إلى القلق من الإجراءات الصينية الخاصة بترسانتها النووية، وممارستها إزاء تايوان، وإزاء الخروقات التي تحدث في موضوع حقوق الإنسان، وهي إشارات بدت وكأنها تكريس للمواقف التقليدية التي تُخفي النوايا الحقيقية للصراع، والخاصة بالحرب التجارية ضد الصين، وهو ما دعاها إلى تقديم احتجاج شديد، أشارت فيه إلى خطورة استمرار سياسات الغرب الأميركي المناهضة لها، وسعيها الى فرض سيطرتها على العالم، والى تهديد استقرار الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، فضلاً عن تشويه سمعتها تحت يافطات وأوهام فاقعة.
كما تضمن البيان الختامي نقداً لاذعاً الى تصرفات كوريا الشمالية الصاروخية، والتي عدّوها ممارسات مُقلقة للأمن والسلام الدوليين في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن الاشارات ذات الطابع الدبلوماسي، كالإشارة الى التوافق الإيراني السعودي، وإلى ربط عودة سوريا إلى الجامعة العربية باشتراطات سياسية وأمنية، ودعوة أطراف الصراع في السودان الى اعتماد الحوار السياسي بعيداً عن الحرب، وهي مواقف لم ترتق إلى مسؤوليات هذه الدول ذات الاقتصاديات الكبرى، والتي تملك هامشاً سياسياً واسعاً من التعاطي الفعّال في قضايا الدول الأقل نمواً، والمساهمة في معالجة ازماتها، على مستوى الطاقة والغذاء والجفاف، أو على مستوى تغيرات المناخ وتأثيراته في البيئة والحياة.