عبدالزهرة محمد الهنداوي
قد تبدو فكرة احتراق الذهب، فكرة واهنة، ولا أتخيل أن فنانا رسم لوحة للذهب وهو يحترق، ذلك لان هذا المعدن يُعد من المعادن العصية على النار، فلكي ينصهر يحتاج إلى اكثر من 1000 درجة مئوية، اما ذوبانه فلن يحدث الا بحرارة تلامس الـ(3000) درجة مئوية، ومعنى ذلك أن الذهب لا يحترق بعقب سيجارة يرميها مدخن مدمن، أو بصاعقة كهربائية، أو بفعل مقصود، ولعل هذه الصفة الذهبية، فضلا عن لونه الاصفر الساحر، هي التي تدفع الناس إلى الركض واللهاث خلفه لاقتنائه والاحتفاظ به، سواء على مستوى الافراد، أو الحكومات، فهو للنساء «زينة» وللرجال «خزينة» وللدول هو احتياطي تحتفظ به البنوك كمستودع للقيمة وضمان، لتخليص الوعود لدفع المودعين وحاملي الاوراق المالية أو لتأمين العملة، وقد بلغ احتياطي الذهب في العالم نحو (36) الف طن، منها (130) طن في
العراق.
وحرائق الذهب التي اتحدث عنها، أعني بها ذهبا اخر، وهو ذهب عراقي مختلف تماما عن الذهب العالمي الذي يمثل غطاء للعملات، ولكنه ذهب لايمكن للانسان ان يأكله اذا جاع.
ذهبنا يحمل ذات اللون (الاصفر)، إلا أنه يؤكل وقابل للاحتراق بسهولة، ويكاد الاحتياطي منه يصل إلى اكثر من ٤ ملايين طن، خلال هذه السنة فقط، وهذا الكمية تكفي لسد حاجتنا، ولسنا بحاجة إلى الاستيراد، نحن نأكل ذهبنا اذا جعنا، فهو لا يشبه الذهب المتداول عالميا، واتحدث هنا عن القمح (الحنطة)، هذا المحصول الحيوي الذي يمثل احد اهم مرتكزات السلة الغذائية، وركنا أساسا من أركان الأمن الغذائي في البلد، والذي يتعرض للكثير من الحرائق، ولا أحد يمكن ان يتخيل ديمومة الحياة في حال اختفى الخبز، وربما لا أتفق مع من يقول «ليس بالخبز وحده يحيى الانسان» فما حدث ابان جائحة كورونا، وما شهده التاريخ من احداث، تثبت أنه لا حياة من دون الخبز، ثم تأتي بعده باقي الاولويات الحياتية!
ولكن المؤلم، أن ذهبنا الاصفر الذي يرمز لديمومة الحياة، يتعرض للاحتراق سنويا وهو لا يزال في سنبله، فحرائق حقول الحنطة، باتت تمثل مشهدا مألوفا في كل عام، مع اقتراب موسم الحصاد، والأكثر إيلاما أنه كلما ازدادت المساحات المزروعة، وكلما اقتربنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي، ارتفعت السنة النيران وهي تلتهم حقولا شاسعة مزروعة بالحنطة والشعير، ومشهد الحرائق هذا تشترك فيه جميع المحافظات التي تكثر فيها زراعة هذا المحصول.
اما الاسباب، فقد كثر الحديث، عنها، فمرة يقولون بسبب الصواعق الجوية، حتى وإن كانت السماء صافية!! واخرون يتحدثون عن اعقاب السجائر، التي يرميها المدخنون من أصحاب هذه الحقول، فيحرقون حنطتهم بأيديهم، وسبب ثالث يتحدث عن استهداف ارهابي لغذاء العراقيين، وأسباب اخرى تعددت، ولكن النتيجة واحدة، وهي أن حنطتنا تحترق، وأن غذاءنا في خطر، في ظل ازمة غذاء عالمية،...فماذا نحن
فاعلون؟!.