سوريا بين أشقائها من جديد

آراء 2023/05/23
...


 بيتي فرح


انهالت التصريحات العربية الأخيرة على عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها لمدة 12 عاما، وأعلن بيان اجتماع القاهرة حرصه على ضرورة المساعي العربية لحل الأزمة السورية المتضمنة ملف الإرهاب واللجوء وضبط الحدود. 

ليتذبذب العرب كعادتهم حول القرار وتتباين الآراء المختبئة وراء الإصبع الأمريكي.

وبرأي الأمين العام لجامعة الدول العربية «أحمد أبو الغيط» خلال مؤتمر صحافي أعقب الإعلان، أن القرار لا يعني استئناف العلاقات بين سوريا والدول العربية، هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة، وعودة سوريا إلى شغل مقعدها بداية حركة وليست نهاية مطاف، ولم يشر بيان الجامعة إلى أي تفاصيل لشروط عودة سوريا إلى الرتل العربي أو خارطة طريق واضحة تنظم هذه العملية، بل اكتفى بالقول إن القرار تضمن التزاما باستمرار الحوار مع الحكومات العربية للتوصل تدريجيا إلى حل سياسي للصراع، والالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

اختلفت ردود الأفعال والمواقف العربية تجاه العودة السورية فكان الايجابي منها، كالعراق الذي ارتبط إنسانيا وتاريخيا بسوريا كالتقاء نهري دجلة والفرات، حيث أعلن دعمه لعودة سوريا لحضن الجامعة العربية في عدة محافل عربية ودولية، ليكون صوته الأعلى في تبني هذا الموقف كواجب اخوي وإنساني للبلد الذي تربطه فيه أواصر الدم والاخوة عبر التأريخ، خاصة بعد تخلي العديد من الدول العربية عن سوريا في محنتها الأخيرة، فكان موقف بغداد واضحا من الشأن السوري، الذي أكد أن أمن واستقرار سوريا ينعكس على أمن واستقرار المنطقة بشكل عام، وأنه بعودة سوريا إلى مقعدها، سيعود لها مكانتها إقليميا ودوليا في التأثير مجددا على المسار العربي في المنطقة، كما دعت الإمارات إلى إعادة العلاقات مع سوريا والرئيس الأسد.

بينما عارضت دول أخرى منها قطر التطبيع الكامل دون وجود حل سياسي للصراع السوري، معبرة عن أملها في أن يكون قرار الجامعة العربية بعودة سوريا لشغل مقعدها دافعا للنظام السوري لمعالجة جذور الأزمة التي أدت لمقاطعته، وحرصت دول أخرى على وضع شروط لعودة سوريا، مثل الاردن حيث نوه وزير خارجيتها أيمن الصفدي بأن عودة سوريا (التي لا تزال خاضعة لعقوبات غربية) إلى جامعة الدول العربية مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات، ويشير المسؤول الأردني إلى أنه يتعين على سوريا إظهار جديتها في التوصل إلى حل سياسي لأن هذا سيكون شرطا مسبقا للضغط من أجل رفع العقوبات الغربية، وهي خطوة حاسمة قبل توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.

اما الشارع السوري فكان هو الآخر له رأيه خاصة بعد الارتفاع الصاروخي للدولار واحتضار الليرة السورية بعد استعادة سوريا لمقعدها مباشرة، وهنا قد لا تبدو أمنيات السوريين كبيرة، تبعا للتداعيات اللاإنسانية العامة، وقياسا بالموقف العربي العاجز أمام الموقف الأمريكي الصارم، والجميع يتساءل هل حقا ستجري الرياح بما تشتهي السفن ويخلق تعاون اقتصادي بين سوريا والبلدان العربية يعيد الليرة لقوتها وتستقر اسعار السوق وتستأنف الرحلات الجوية بعد انقطاع استمر لاكثر من عقد من الزمان؟ ويتم تمويل بعض المشروعات التي تمت دراستها سابقا حتى يتبلور مستقبل العلاقات السورية العربية؟

لا شك أن لعودة سوريا تبعات ايجابية فإن سارت كما هو مرجو وضخّت الصناديق العربية أموالها على أرض الواقع فسيتعافى الاقتصاد السوري، والسؤال حول ماهية التأثر بالموقف الأميركي ومدى إصراره على الاستمرار بتنفيذ عقوباته على سوريا وقبوله بدعم المشروع العربي لحل الأزمة السورية، والتصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين أميركيين تعقيباً على قرار إعادة سوريا إلى الجامعة العربية خير دليل على موقف واشنطن المتشدّد بتمديدها العمل بقانون «قيصر» لعام آخر.

نعم تعتبر العودة إلى الجامعة العربية انتصار على مستوى عربي ودولي، إلا أن آمال المواطن السوري تكمن في لمس النتائج على أرض الواقع، نظرا لما قاساه في سنوات الحرب التي ما زالت تداعياتها تستشري في الجسد السوري حتى اليوم.

 كاتبة سورية