د. حامد رحيم
للبطالة انواع متعددة تختلف باختلاف أسبابها، فالبطالة تعني ببساطة عدم وجود فرصة عمل للفرد القادر على العمل، سواء كان العمل ذهنياا أو عضليا، فالإجبارية منها تعني عدم وجود فرصة عمل للفرد القادر والراغب بالعمل ضمن الاجر السائد في السوق، اما البطالة الاحتكاكية فتعني تلك الفترة الزمنية التي يصبح فيها الفرد عاطلا عن العمل، بسبب التحول من مهنة إلى اخرى، والمقنعة تعني أن الفرد يعمل لكن دون انتاجية معتد بها اقتصاديا، وهناك البطالة الموسمية أو الدورية الناتجة عن خمول بعض الوظائف في مواسم معينة، اضافة للبطالة الاختيارية، التي تنتج عن عدم رغبة الفرد بمزاولة اي وظيفة رغم توافر فرص للعمل.
اما الهيكلية فتعني أن هناك مجموعة من العاملين المزاولين لوظائف معينة يصبحون عاطلين عن العمل بسبب تغيرات تحدث في النشاط الاقتصادي العام تقود إلى الغاء تلك الاعمال بسبب عدم ملاءمتها لأحوال السوق من جانب الطلب، مثل مهنة (رواف الملابس) و(الاسكافي) وغيرها، وقد حصل هذا النوع من البطالة في الدول التي تحولت من اقتصاد مركزي مخطط إلى النمط الحر في النشاط الاقتصادي، وما ترتب على ذلك التحول من هيكلة للمؤسسات العامة وتحول العاملين فيها إلى عاطلين عن العمل.
في الاقتصاد العراقي للبطالة الهيكلية وجه اخر يحتاج إلى عمق بالتحليل لتوصيف هذه المشكلة، فالانطلاقة تكمن في طبيعة النشاط الاقتصادي القائم والمختل هيكلياً، الذي يمتاز بما يعرف اقتصاديا (بضيق السوق)، من ناحية تنوع النشاط الاقتصادي وهذا ما يظهره هيكل الناتج المحلي الاجمالي، الذي يبين لنا التراجع الكبير جدا في القطاعات الجاذبة للعمالة (المختصة) فالصناعة التحويلية تساهم بمعدل نسبة (2%) فقط من اجمالي الناتج وكذلك التشييد والبناء والذي يساهم بحدود (4%) معدل مع عدم وجود مساهمة صريحة للسياحة وتراجع القطاعات الخدمية، منها النقل والمواصلات والقطاع المصرفي وغيرها، اما القطاع المعرفي فمساهمته (صفر%) ولا ننسى اشكالية التخلف التكنولوجي واشكاليات التحول نحو الاقتصاد الرقمي، الذي ما زالنا في أسوأ مراتب المؤشرات الخاصة به، وهذا ما عكسه مؤشر المركز العربي في الامارات الذي يصدر بالتعاون مع الجامعة العربية، والذي يجعلنا إلى جانب اليمن وسوريا وغيرها من دول الفشل بالتحول الرقمي، وهنا يمكن القول إن نوع البطالة الهيكلية لم تنتج من تحولات هيكلية في النشاط واندثار بعض المهن فحسب بل ان المشكلة ناتجة ايضاً من خلل هيكلي في النشاط الاقتصادي فرض علينا هذا النوع من البطالة.
إن هذه البطالة تشمل فئات من العاملين من اصحاب اختصاصات علمية مثلها (خريجي الهندسة بانواعها باستثناء النفط وملحقاته) و(خريجي الفنون الجميلة بكل اقسامها)، الذي من المفترض أن يجذبهم القطاع المعرفي و(خريجي كليات الاداب من اقسام الفلسفة واللغات والتاريخ وعلم النفس وغيرها)، وكذلك هناك (خريجو اقسام البرامجيات وتقنيات النانو وغيرها)، باعتبار هناك تخلف تكنولوجي كما أشير إلى ذلك انفاً، والامثلة كثيرة يطول سردها.
هناك جدل في هكذا حالات من جانب المعالجة فأطروحة مواءمة مخرجات التعليم مع حاجات السوق غير منطقية وسطحية جدا، بلحاظ ان كل الاختصاصات العلمية المشار اليها انفا وغيرها تمثل نشاطات اقتصادية موجودة في اقتصادات اخرى، ومن جانب اخر من غير المنطقي ايضا ان نركز على التعليم (النفطي) مثلا باعتبار اقتصادنا يقوم في نشاطه على النفط وما يسانده، لن النتيجة ستقود إلى بطالة (اجبارية) بسبب ضيق الوظائف نسبيا في هذا القطاع وحتى الاختصاصات الطبية وغيرها، فسوقها ستتحول إلى محدودة بسبب الزيادة، التي ستحصل في مخرجات التعليم، الحل يكمن في معالجة الاختلال الهيكلي في النشاط الاقتصادي، ولا سبيل غير ذلك لضمان جذب لهؤلاء الخريجين وتجنب تعطيل فاعلية تلك التخصصات، عبر زجهم بوظائف حكومية وغيرها لا تنسجم مع الاختصاص.
وهنا يأتي دور (التنسيق) بين مخرجات التعليم والسوق، عبر الدور الحكومي التنموي المفترض على غرار ما حصل في الدول الناجحة تنمويا، فقد تمت معالجة هكذا مشكلات في تجارب مهمة منها ماليزيا وسنغافورة عبر ما يعرف (بالمؤسسات التنموية الوسيطة)، التي أوجدت اعلى مستويات التنسيق بين مخرجات التعليم والسوق، مما حجم الاختلال الهيكلي عبر توسعة السوق والتعليم معاً وللحديث تتمة.