نازك بدير
لعلّ من أهمّ ما ينشده الإنسان في هذا العالم هو تحقيق الأمن والاستقرار، ولا سيّما في الدول التي تشهد اضطرابات ونزاعات وحروبًا واعتداءات بريّة وبحريّة وجويّة. ويكون الوضع أكثر تعقيدًا واستثنائية في دولة تتعرّض إلى نوعين من الخطر: الخارجي (العدوّ الإسرائيلي) والداخلي (الفساد). ولمّا كانت حقوق الوطن والمواطن كلًّا متكاملًا، فمن البدهي عند تعرّضه إلى الاعتداء، من الخارج أو من الداخل، أن تتداعى الأطراف كافّة إلى الدفاع عنه، والتصدّي للخطر المحدق به، ومحاصرته قبل استفحاله، وبذْل أقصى ما يمكن في سبيل حمايته من الانهيار والدمار.
عندما كان لبنان يتعرّض إلى خطر خارجيّ، استطاعت المقاومة مدعومةً من الجيش والشعب أن تدحر الاحتلال في العام 2000، وحقّقت النصر على العدوّ الإسرائيلي في حرب تموز2006. الانتصارات التي صنتعها المقاومة كانت فريدة من نوعها في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. لكن، في مقاربة سريعة مع نتائج الحرب العالميّة الأولى، وغيرها من الحروب الحاسمة،» المنتصر» هو من يكتب التاريخ ويرسم الخرائط ويضع المعادلات ويصنع التغييرات ويبدّل المسارات ويردم الهوّات ويرمّم الثغرات ويجترح البدائل.
انتصرت المقاومة في لبنان، لكنّها لم توظّف نصْرها هذا لبناء الدولة، وهذه علامة فارقة! فهي لا تزال تراوح أمام عدوّ أكثر شراسة، وفي كلّ يوم يزداد تضخّمًا ويتضاعف عدد ضحاياه من المواطنين. إنّه متجذّر ضمن البنية العميقة للدولة، تمتدّ أذرعه الأخطبوطيّة في مختلف أجهزتها وإداراتها، يتغلغل في القضاء والماليّة والاقتصاد والمناهج والتربية والاتصالات والتجارة...
في حوزة نوّاب كتلة الوفاء للمقاومة ملفّات وتقارير مفصّلة عن واقع الفساد بالأرقام. وقد سبق وأكدوا نيّتهم إيقاف تمدُّده وتجفيف منابعه. لكن لم تتمّ ترجمة الوعود حتّى هذه اللحظة، ما أدّى إلى الشعور بالكثير من العتب على المقاومة، ولا سيّما في البيئة الحاضنة لها.
في المحصّلة، بمقدار ما كان انتصار المقاومة في مواجهة إسرائيل حالة استثنائيّة وإيجابيّة على مستوى التاريخ، نظرًا إلى تواضع إمكاناتها وضخامة إمكانات العدوّ، في المقابل، الانهيار الذي يصيب لبنان هو حالة استثنائيّة في التاريخ بالقياس إلى امتلاكه مقوّمات النهوض الحضاري، والإمكانات الطبيعيّة، والعقل اللبناني الخلّاق.
* كاتبة لبنانيّة