خسائر التأخير

آراء 2023/05/25
...

 ساطع راجي

تأخر إقرار الموازنة المالية لعام 2023 كثيرا وبدرجة مخيبة للآمال في أكثر من جانب، فما خسرته الدولة والمواطنون ليس زمنا قدره ستة أشهر فقط، وإنما سنة مالية كاملة تقريبا وتعطيل لاستثمار الوفرة، لأن الوقت المتبقي من السنة المالية لن يسمح بإطلاق أي مشاريع مهمة وحتى مع عملية حجز التخصيصات للوزارات والجهات الممولة في حسابتها وعدم إعادتها للخزينة العامة، كما كان يحدث سابقا فإن الخسارة تبقى كبيرة.

توفرت عدة علامات إيجابية كانت تدعو للتفاؤل بتمرير سريع لموازنة العام الجاري، منها قانون الأمن الغذائي الذي عالج كثيرا من الحالات الاستثنائية، وهو ما قلص الاعباء في الموازنة والوفرة المالية المتراكمة وكذلك وجود مشروع موازنة لم يمرر في العام الماضي، كان يمكن الاستفادة منه كقاعدة للموازنة الجديدة أو حتى تمريره نفسه بتعديلات بسيطة، فالجزء الأكبر من موازنات العراق روتيني مستنسخ، كما أن الكادر الذي أعد الموازنة السابقة بقي هو نفسه تقريبا، وسياسيا كانت العلامات الايجابية أكثر، فالحكومة الجديدة لوحت كثيرا برغبتها في تسريع وتيرة عملها وتقديم الخدمات للمواطنين، وهي مدعومة من تحالف نيابي كبير وتعيش القوى السياسية حالة من التوافق النادر مقارنة بالسنوات الماضية، لكن كل هذا لم يساعد بتمرير الموازنة في وقت مناسب.

لم تنتفع القوى السياسية والهياكل الادارية والمالية للدولة من تجارب السنوات السابقة ولم توفر قاعدة إنجاز سريعة لقانون الموازنة وحافظت على سياق مؤذٍ، يجعل من هذا القانون الحيوي لحظة تقاطع للمصالح والرغبات ليكون «قانون القوانين»، وصار قاطرة تجر الكثير من الاتفاقات السياسية والمشاريع وحتى القوانين الادارية التفصيلية، ويبدو أن الانتقادات الموجهة من المنظمات الدولية المتعاملة مع العراق لم تحقق هدفها في تسريع تقديم وتشريع الموازنات مثلما لم تفلح ورش العمل والمؤتمرات والندوات في تطوير الاداء السياسي والاداري في هذا الملف.

ومما يدعو للأسف هو غياب النقد الجذري للتأخير الدائم في إقرار الموازنات المتكرر والمراقب للاداء في هذا الملف، سيتوقع أن فكرة تقديم مشاريع لثلاث موازنات لن تحقق هدف التسريع أيضا، نظرا لعدم وجود نية في تطوير منهج «قانون الموازنة» وفصل كل ما هو إضافي عنه، بل وتشريع قوانين تمويل خاصة ببعض المشاريع (كما حدث في قانون الأمن الغذائي الذي بدا غريبا في وقته لكن إتضحت أهميته لاحقا)، بعيدا عن قانون الموازنة وإخراج الجوانب الادارية الروتينية من القانون أيضا.

كل الحديث عن دعم القطاع الخاص وتسريع وتنشيط إداء مؤسسات الدولة لن يكون واقعيا مع الطريقة الكسولة التقليدية في إدارة ملف الموازنة، وهو وضع مزمن يدعو للاحباط ولن يغيره الاستمرار في تبادل الاتهامات بين القوى السياسية ولا بين البرلمان والحكومة، جميع هؤلاء يتحملون مسؤولية التأخير وبالأخص أولئك الذين ينتظرون اللحظات الاخيرة للتعبير عن غضبهم المفتعل، ومطالبهم التي تذكروها في الوقت الحرج كما يتحملها من يعطل تقديم الموازنة بنية منع النقد والاعتراض والتعديل.