شارع المتنبي

آراء 2023/05/25
...

 نوزاد حسن


في مدينة مثل بغداد يلتقي الماء بالكتب في مصير واحد. لا اعني تلك الحكايات التي تروى عن تغير ماء دجلة إلى اللون الحبري، بعد أن أتلف المغول مخطوطات الكتب حين رموها في دجلة، لكني اعني تلك الصورة الجميلة لنهر يتدفق، وكتب تؤلف وتقرأ. وفي عاصمة مذهلة لها تاريخ طويل يمكن ان نعثر على بقايا عشاق مولعين بهذه المدينة، رجال يتحدثون عن بغداد بلغة جديدة نسمعها ونحن نسير يوم الجمعة في شارع المتنبي. وغالبا ما يكون صوت المتحدث جريحا وفيه خوف من قلة قراء الكتب، وعدم رواج الكتاب الورقي، ولجوء الشباب إلى قراءة الكتب الالكترونية عبر النت. الصوت الجريح ينهي مخاوفه قائلا: اخاف ينتهي شارع المتنبي بعد سنوات ويتحول إلى شارع تجاري لبيع القرطاسية مثلا.

المتحدث هنل ليس أبا حيان التوحيدي، بل هو رجل كبير في السن اعتاد على صورة شارع المتنبي وهو يمتلأ بالكتب المختلفة، بدءا من كتب التراث بكل علومها إلى الكتب المترجمة.

قبل عقود كان بائع الكتب يفتخر بما يعرضه من عناوين. اما اليوم فقد تغيرت الصورة تماما، وصرنا نرى بسطات الكتب تقتصر على عناوين قليلة، واكثر هذه العناوين لكتب مترجمة لا تخرج عن نطاق كتب التنمية البشرية التي تنتشر على طول شارع المتنبي.

مثل هذه الصورة تبدو مخيفة لمن هم في خريف العمر. هل يعقل ان يكون المتنبي الذي اعيد ترميمه بحيث صار نظيفا، ومنظما على هذه الدرجة من ضعف الاقبال على شراء الكتب. ربما سيقول احد الشباب انه التطور، وليست هناك مشكلة في تغير اسلوب القراءة.ان الكتب موجودة، ومن الممكن الحصول عليها مجانا من النت. وبهذا تحل القضية. لكن السؤال الاهم هو: ما هو مصير شارع المتنبي، وما هو مصير أيام الجمع؟

سيقال سيبقى الشارع حتى وإن اختفى نهر الكتب منه. سيبقى المهتمون بالكتب يلتقون هناك، ويتحدثون. وسيبقى ايضا العازفون يغنون، وسيرتاد الشارع شبان لم يصطدموا بعد بتجارب قاسية ويكملوا مشوار من سبقهم.

أنا اتحدث عن رحلة نهر المعرفة في هذا الشارع، هناك رحلة نهر دجلة ايضا. لذا قلت في بداية كلامي إن الماء والكتب يلتقيان في مصير واحد. فكما يحس الكثيرون بجفاف سيتعرض له نهر دجلة، كذلك يوجد من يخشى ان تنحسر موجة الكتب من شارع عريق كشارع المتنبي