نعم للقوات الأمنية ولكن..

الصفحة الاخيرة 2023/05/25
...

أ‌. د. هاشم حسن التميمي

نشعر بالأمان حين ترتقي قواتنا الأمنية بفعالياتها فيكون جيشنا، كما تصفه الأناشيد الوطنية سوراً للوطن وقواتنا الداخلية حارسة للمواطن ومجتهدة في تطبيق القانون وهنالك نظريات أخرى عن الأمن جديرة بالانتباه والاحترام.

 ترى النظريات الحديثة أن الأمن لا يتحقق بقوة المدافع وانفجارات الصواريخ ورشقات الرشاشات وقصف الطائرات، وبزيادة فيالق الجيش والشرطة، إنما الأهم الروح المعنوية فإن اهتزت، تلاشى دور السلاح، وهنالك أمثلة لا تعد ولا تحصى من الألف الخامس قبل الميلاد وحتى معارك أبي الليثين في  حفر الباطن والمطلاع، صار الحديث عن الحرب الالكترونية والثقافية والفكرية والنفسية وحرب المعلومات والإعلام يشغل المعاهد الستراتيجية، قاد ذلك إلى تقليص العدة والأعداد للجيوش والاستعاضة عنها بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي اللذين يستطيعان أداء  المهمات ذاتها لمليون مقاتل بربع عددهم وبكفاءة أعلى وكلفة أقل. وللأسف ما زلنا نتوسع بتشكيلاتنا القتالية في الداخلية والدفاع وأضيف إليهما الحشد الشعبي وبعناوين متعددة وبمهام متشابهة يمكن اختصارها بدلاً من المليون مقاتل لربع هذا العدد، لا سيما أن حصة الجهات الأمنية من الموازنة العامة هي حصة الأسد فبلغت هذا العام قرابة الـ 28 ترليون دينار مع مطالبات بالمزيد وهذه المبالغ الضخمة تستقطع من مشاريع التنمية في الإعمار والصحة والثقافة والتربية والتعليم والطفولة وشؤون تنموية متعددة المجالات.

والحق يقال وليس انتقاصاً من الدور المشرف والتضحيات الكبيرة لأجهزتنا الأمنية بأننا بحاجة ماسة لإعادة هيكلة هذه القوات وتقليص حجمها ونفقاتها وتضخم أعداد الرتب العالية والمناصب وإبعاد شبح عسكرة المجتمع وتحويل الموارد لتنمية وإعمار البلاد والاكتفاء بتشكيلات أنموذجية تختصر الأداء التقليدي لمئات الآلاف من البشر، لا سيما أننا أنهينا صفحات الإرهاب ويحدد دستورنا مهمات قواتنا بالدفاعية بعيداً عن سياسة المغامرات والانقلابات، وعلينا أن نتدارس تجارب الشعوب، فالجيش المصري يطعم مئة مليون مواطن بأرغفة العيش ونجح الخط المدني للتصنيع العسكري في إغراق السوق المصرية بأنواع الصناعات المدنية وأصبحت تصدر للخارج وحققت الهندسة العسكرية المصرية معجزات في إعمار المدن..  والغريب أن الدفاع تطالب بترليونات إضافية والداخلية تدعو لتعيين 37 ألف شرطي بشهادات دراسية متواضعة والحشد الشعبي يخطط للتوسع خارج حسابات وزارة الدفاع، ولو أحصينا ما أنفقناه خلال عشرين عاماً على أجهزتنا الأمنية لظهرت أرقام تعادل الموازنات السنوية لمجموعة دول وليس دولة واحدة.

نحلم بجيش رشيق وشرطة أنيقة مثقفة ينحصر بيدها السلاح وتدقق عقود أسلحتها ودعمها اللوجستي ونبعد عنها المفسدين ونوفر مليارات الدولارات لبناء المدارس والمستشفيات وتحديث النقل العام وإطعام الفقراء وبناء صروح للثقافة والفنون وتكنولوجيا المعلومات قادرة على أن تصنع شعباً مثقفاً محصناً 

يعزز جبهته الداخلية بالمثقفين ويحمي حدوده الخارجية بالمفكرين والمبتكرين.