كاظم الحسن
تعد مرحلة البلوغ، هي غرس للطفولة وتبقى آثارها شاخصة في الانسان، ويبقى اللا وعي هو المنبع والمنهل، الذي لا ينضب لسلوك البشري، دون أن يعي مصدره وهناك من يحاول عقلنته على قدر، ما يستطيع، وحتى لا نغوص كثيرا، في هذا الموضوع الشائك ونريد من خلاله فهم الشخصيات المستبدة، لا سيما السياسية، التي تتحكم بمصائر ومقدرات الشعوب وتميل إلى العنف المفرط ولا يعنيها عدد الحروب، التي تصنعها ولا الضحايا في محرابها الدموي، الذي لايرتوي.
قد تكون طفولة الطغاة، هي المنطقة السوداء في حياتهم، التي ينبعث منها الشر الكامن في روحهم المريضة والمتضخمة، بأدران الماضي التعيس، الذي عاشه هذا القاتل.
وما هتلر أو ستالين أوموسوليني الا نتاج طفولة بائسة، لذا فطنت الدول الاوروبية، إلى ذلك وأخذت تعطي اهتمامها ورعايتها للطفولة وتسن قوانين لحمايتهم، من العنف والاذلال، الذي يخلف عقدا، ليس من السهل تخطيها.
قيل ذات مرة لدكتاتور العراق، لماذا منعت سفر العراقيين إلى الخارج في حقبة الحصار؟
وكان رده «انه لم يسافر في هذه الفترة».
معنى ذلك، كما يقول الشاعر الشهير ابوفراس الحمداني «اذا مت ظمآنا فلا نزل القطر» هذه العقد ظلت ملازمة له، طيلة مدة حكمه اللعين، على العراق ومنها حقده على الجيش، الذي رفض انتسابه إلى الكلية العسكرية- وهو (فار) عن الخدمة العسكرية بالشعبي فرار وفي عهده عقوبة ذلك الاعدام- رغم ذلك منح نفسه اعلى رتبة عسكرية «مهيب ركن» في مفارقة فريدة في العالم ولم يكتف بذلك فاحاط نفسه بأفراد عشريته، ومنحهم الرتب العسكرية العاليا، في خرق صارخ للمهنية العسكرية، التي انتهت بعد ذلك بانهيار الدولة والجيش على حد سواء.
الدكتاتور لديه شعور بالنقص الدائم وبما انه استولى على السلطة، بطريقة غير شرعية، وهو كأي مغتصب، يشعر بالتهديد المستمر لسلطانه المسروق وهو بذلك يكون دائم الشك، بمن حوله، لدرجة الهوس ولذك يقوم بتصفية، ما يعتقدهم اعداء له وهو يؤمن بنظرية المؤامرة التي تهيمن على سلوكه، بشكل عام لذلك افضل طريق للتخلص من خصومه، ارسالهم إلى الحروب المستمرة، بلا انقطاع وهذا ما حصل للعراق منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، حتى خلاص العراق من الطغمة البعثية الغاشمة، التي جثمت على صدر انفاس العراق.
ربما لم تبلغ الدكتاتورية في العالم من بطش وقمع، مثلما بلغته في العراق وفاضت به، لدول الجوار، على شكل حروب، دون هوادة، وقد ادى ذلك إلى تفسخها وتحللها إلى مكونات، ما قبل ظهور الدولة الحديثة، اي الاصول العرقية والقبلية والطائفية.
وقد عاشت الدكتاتورية، على سيل متراكم من الحروب والازمات والنزاعات، في مفارقة تاريخية، من حيث افول الاستبداد في العالم وصعوده في العراق، بشكل يخالف حركة التاريخ، ما جعل النظام يعتقد أنه بديل للاتحاد السوفيتي المنحل وماساعده في هذا الهوس، هو الاعلام العربي المأجور، الذي يبحث عن ثقافة الانتصار والبطولة والزعامة الاقليمية وعبادة المغامرات غير المحسوبة.