وقائع لم يحتسب لها التأريخ

آراء 2023/05/27
...

 رزاق عداي 


 أثناء الحرب العالمية الثانية، بعد هزيمة القوات الالمانية على أبواب العاصمة السوفيتية موسكو امام الجيش الاحمر الروسي الرهيب، وانسحابها على المحور الجنوبي، وبعد هزيمتها الثانية في ستالينغراد، وخسارتها لمدينة خاركوف، وقعت المواجهة الأشهر بين افضل جنرالين من جنرالات الحرب، الالماني (مانشتاين) بمواجهة الروسي (جوكوف) في مدينة (باخموت) الستراتيجية، التي تدور فيها اليوم معارك ضارية، كان عدد الجيش الالماني ثلاثمئة الف جندي قبالة خمسمئة الف جندي روسي، وكانت المعركة حاسمة بكل معنى الكلمة، عول عليها (هتلر) في صد الزحف الروسي الكبير، ورغم المناورات والخطط الدقيقة، التي كانت من ابداعات موهبة (مانشتاين) ومناوراته، ولكن الجنرال جيكوف بعبقريته الفذة تمكن من احتواء كل الهجومات، وكانت الغلبة في النهاية للجبش الروسي، والتي أصبحت مقدمة للاندفاع نحو الغرب، معارك باخموت اليوم هي الأخرى حاسمة وذات بعد ستراتيجي، في تقرير مستقبل معارك أوكرانيا، ولكن الجيوش الروسية اليوم تتقدمها مجموعة مرتزقة، تسمى قوات (فاغنر) تيمناً باسم الموسيقار الالماني الشهير (فاغنر) ولا يُعرف لماذا هذا الخيار في التسمية ؟، مع ان اغلب افراد هذه المجموعة هم من المجرمين المجربين، ورواد السجون، والمقاتلين القدماء،الذين يتم التعاقد معهم، بعيدا عن عقيدة الجيوش الوطنية، انما بحساب الربح والخسارة، ترى ما الذي جرى للتاريخ الذي استعاض عن جوكوف، الذي ظل يقاتل طيلة الحرب العالمية الثانية دون كلل بهدف تعويض شعبه الذي تعرض للانكسار بعد الزحف الكبير في حملة (باباروسا)، بـ(يفغيني بريغوزين) قائد مرتزقة (فاغنر)؟ 

 اما في مطلع ستينات القرن الماضي، كان الاتحاد السوفيتي السابق بمفرده في حلف (وارشو) يمتلك ترسانة ضخمة من الاسلحة التقليدية المتطورة تقنياً، يتفوق فيها على ما تمتلكه دول حلف (شمال الاطلسي) مجتمعة، حتى أن بعض الخبراء في مجال الستراتيجية الحربية كانوا يتوقعون أن المواجهة لوحصلت بين جيش الاتحاد السوفيتي منفرداً وكل دول حلف الناتو فانها ستكون على الاراضي الاوربية، والغلبة سيحسمها السلاح السوفيتي على الاكثر، وظهر لاحقا من الدراسات لبعض مراكز البحث السوفيتي ان الانفاق التسليحي الهائل هو أحد اسباب ضعف التراكم الاقتصادي للدولة، وبالتالي قاد إلى انتكاس دورة الاستثمار والنمو، وهذا ما ذكره غورباتشوف في كتابه (البيروسترويكا)، مبتداً في التقليل من التخصيصيات المعتمدة للسلاح كما ونوعاً، وسحب الجيوش السوفيتية من شرق أوروبا، وظلت الوتيرة هكذا بالتناقص حتى عهد بوتين، والذي ظهر وكأنه يحاول بعث العظمة الروسية، متشبها بالامبراطور الروسي في القرن الثامن عشر بطرس الاكبر، الذي وسع روسيا نحو أوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا وحارب السويد ولاتيفيا واستونيا من دول البلطيق وسيطر على بحر اّزوف، ويظهر أن بوتين أخطأ في دراسة التاريخ إلى حد ما ونسى أن حروب اليوم لا تشبه حروب القرن الثامن عشر، فعندما استعرض اسلحته قبيل الاجتياح لأوكرانيا، كان يدعي ان عمليته العسكرية! لن تدوم سوى بضعة ايام، ولكن نتائج الميدان اثبت عكس هذا، فهاهي حرب أوكرانيا قد تجاوزت عامها الاول ولم يتحقق حلم بوتين بالتشبه ببطرس العظيم، فلقد تحولت الحروب بين الاسلحة وتقنيتها فحسب، واصبح البطل هو الطائرة المسيرة والصاروخ وصارت الحروب البرية وبنادق تأتي بمرتبة متأخرة.