تركيا والرهان الانتخابي

قضايا عربية ودولية 2023/05/27
...

علي حسن الفواز

يعكس الرهان في الجولة الانتخابيَّة الثانية للرئاسة التركية التي ستجرى غداً، خياراً حاسماً لتحديد هوية الدولة ومسار أدلجتها الحاكمة، فالقومية والعلمانية ستكونان عند عتبة ذلك الرهان، مثلما ستجد "المعارضة الليبرالية" التركية نفسها أمام واقع سياسي صعب، تكرّست فيه آليات الحكم بصيغتها الأردوغانية، وبطبيعة انعكاساتها على ملفات الاقتصاد والأمن، وعلى علاقة تركيا بالغرب أو بالشرق، فخلال السنوات العشرين الأخيرة استطاع "حزب العدالة والتنمية" برئاسة رجب طيب أردوغان تكريسَ إطارٍ ناظم لعدد من السياسات المتوازنة، ما بين الإسلامي التقليدي والليبرالي الخجول، والتي جعلته يحظى بتأييدٍ واسع ساعده على الفوز في الانتخابات السابقة، رغم كل التحديات التي كانت تُثيرها الأحزاب القومية التركية بشأن مواقف "حزب العدالة والتنمية" من التاريخ العلماني للدولة التي كرّس تقاليدها كمال أتاتورك.

ما تبدّى في الجولة الأولى من الانتخابات التي أقيمت في 14 /5، وعدم حسم التحالفات السياسية للفوز الرئاسي، عكس الطابع الصراعي الصعب للخيارات الحزبية، وللمزاج العام، لاسيما في ظلِّ ظروف دولية تجعل الرهان على التغيير صعباً، وضاغطاً في تأثيراته، وفي مسوغاته التي يمكن أن تدفع تركيا "الحزبية" إلى الدخول في اصطفافات دولية، قد لا يتحملها الاقتصاد التركي الذي يعاني من مشكلات بنيوية معقدة، فضلاً عما قد تعانيه جرّاء تضخم مظاهر الصراع الروسي الأوكراني، الذي تدخل تركيا في كثير من حلقاته "الجيوسياسية" وفي مسار تحالفات قلقة تقيمها تركيا مع روسيا من جانب، ومع أوكرانيا ومن يدعمها من دول الاتحاد الأوربي.

الحذر الأميركي من نتائج الجولة الانتخابية الأولى، كشف عن موقفها "الحذر أيضاً" إزاء علاقة تركيا بروسيا، وإزاء عدم تأييد تركيا الكامل للموقف الغرب-أوروبي، فضلاً عن نجاحها في رعاية اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، وهو ما قد يُلقي بظلاله على ذلك الموقف من الجولة الثانية التي ستقام غداً، وإمكانية دعم مرشح المعارضة زعيم حزب الشعب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، بسبب تصريحاته الداعية إلى إصلاح علاقة تركيا بدول الاتحاد الأوروبي، وفي إعادة النظر بمواقف تركيا من روسيا، ومن سوريا، ومن معالجة ملفِّ اللاجئين السوريين والعلاقة مع إيران.