د. أثير ناظم الجاسور
بعد انعزال طال 12 عاما سوريا تعود اليوم للعرب، بعد أن لعبت كل القوى وبكل ما لديها من قوة الخلاص من نظام لطالما عدته مخالفاً لشريعتها السياسية، فسوريا الأمس يقودها جلاد استخدم البراميل المتفجرة ضد شعبه قتلهم وشردهم وهجرهم وهمش قياداتهم، انقسمت سوريا بسبب نظامه غير منطقي، وساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في سبيل بقائه، بعد أن ساعدت عدوى ثورات الربيع على الانتشار غير المنضبط،لتأخذ سوريا حصتها القاتلة من هذا الربيع، الذي تحول صيفاً جُل مناخه حمم القنابل والصواريخ، لم تكن سوريا في يوماً ما على موعد مع الاقتتال الداخلي
لولا الانقسامات الداخلية والتأييدات الخارجية، التي جعلت من البيئة السورية حاضنة لمعسكرات مؤيدة ومعارضة اقتتلت لتهدد أمن واستقرار المنطقة، هذا إلى جانب رغبات السيطرة والصراعات الإقليمية والدولية، التي حولت الساحة السورية إلى نقطة التلاقي الدموي بين الأطراف المتنازعة من خلال التمويل والتدريب والتسليح، من ثورة أو انتفاضة سلمية إلى صراع مسلح على القيادة والتوجه نحو العزل بتأييد عربي وإقليمي ودولي، ساهمت كل هذه الفواعل على جعل سوريا بؤرة الإرهاب، لا بل ساعدت على أن تكون سوريا مُصدرة لهذا الإرهاب دون حدود أو قيود، بالرغم من وجود معسكرات هؤلاء المقاتلين حتى قبل العام 2011 والعراق كان شاهداً على تلك الأحداث.
الفكرة هنا لا تتوسع إلى الفواعل غير العربية التي شاركت وعززت الخراب السوري وتصنيف نظامه وفق المعتقدات السياسية والانساق والأيديولوجيات وفكرة الحليف والعدو، الفكرة مقتصرة على العرب والعقل العربي الذي لطالما يرى كل ما يدور من حوله في هذا النظام من خلال رؤية الكبار الذين يرسمون ملامحه وستراتيجياته حتى صار العراب جزءا من ذلك التفكير الخارج عن حدودهم، فمفهوم الامن القومي العربي رحل مع تلك الحقبة التي صدعت رؤوس أجيال بالتبشير بالرقعة الخضراء الواحدة، صاحبة المشتركات الواحدة من لغة ودين، دون العمل الجاد على وضع صيغ فعالة تساعد على ترسيخ الفكرة من خلال التضامن والتشارك، بل راح العرب إلى تصنيف انفسهم بين دول قائدة وتابعة وغنية وفقيرة، فكانت العملة مختلفة والحواجز الحدودية كثيرة، والتمييز واضحا في التعامل والسلوك والإجراءات، فكانت الحكومات تعمل بوادٍ والشعوب بوادٍ آخرن ما ساهمت في توسيع تلك الثغرة، التي عززت الانقسام ودعمت مشاريع التفتيت الداخلية.
حجة الأمس في خراب سوريا ومن قبلها العراق واليمن وليبيا نظام الحكم الذي يُهدد في كل مرة أمن واستقرار المستقرين ومشاريع القوى الخارجة عن حدود هذه الرقعة الجغرافية، فسخرت الإمكانيات المادية والمعنوية في سبيل الخلاص من تلك الأنظمة، وهذا النظام (سوريا) لتكن كل الخطوات التي يُرع في تطبيقها ملغمة ابتداء من الخطاب السياسي انتهاء بالفعل وديمومته على الساحة السورية، التي اختنقت بالفصائل المسلحة المتصارعة لهذا المعسكر وذاك، وبين تكفير ووعيد وتجريم تم عزل النظام كخطوة أولى دون النظر لما بعد هذه الحرب، التي لم تكن شأناً عربياً بقدر ما كانت عقاباً شديداً من قوى كبرى حاولت تأديبه وجعله يرضى بما هو عليه اليوم لاستمراره، فهناك مجموعة من الأسباب التي يرى الكثيرون من جدوى بقاء نظام الأسد، سواء لأمن المنطقة والحفاظ على ما تبقى من نسبية أمنها أو من الحفاظ على أمن إسرائيل، التي جعلت القوى المتحاربة الكبرى تُدرك أن أي نظام يكون بديلاً عن الأسد لا يستطيع أن يؤمن سلامتها على الأقل على الحدود، بالمحصلة سوريا نظام القتل عادت للحضن العربي، دون مقدمات تُذكر، وعدو الأمس شقيق اليوم، وتبقى الخيارات العربية رهن التفكير الخارجي ووفق متبنياته الاستراتيجية، واخيراً هل ستعمل القوى التي غذت الحرب في سوريا وتدميرها على بنائها؟.