ا. د.عماد مكلف البدران
سأتكلم بسلامة نية ولا أريد ان اطعن بوطنية البعض أو أصفهم على أنهم لا يدركون ما فعلوه أو اتهمهم بالعمالة فلست وهذا الامر بديهي، ممن عاش تلك المرحلة، حتى أستطيع الحكم عليها وانما اصبحنا نحن هذا الجيل المعاصر اكثر قدرة على التمييز والتحليل بعد الاحداث السياسية والدموية، التي عصفت في العراق وما فتحته علينا الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي من ابواب قدمت من خلالها تفسيرات لأغلب الاحداث لتزيل عن اعيننا غشاوة الالتباس، ونحن نعيش في بحبوحة من الحرية وننهل من مشارب مختلفة.
احببت ان اسلط الضوء على مسألة تُعد من المسائل الخطيرة والمعقدة وكل من تعامل معها ربما عاش الازدواجية، الا وهي مسألة فهمنا لمفردة الاستعمار التي لطالما صدعت رؤوسنا واخذت من عواطفنا الكثير وجعلتنا ننحاز لفريق دون آخر من دون وعي وإدراك لتُثير في دواخلنا الانفعالات والاثارات التي وهبت اجسادنا ارتعاشات عاطفية حشرتنا بحشود ضخمة في ساحات المدارس والشوارع، ومن ثم جيشتنا لصالح
الانظمة الدكتاتورية في حروب ليس لنا فيها ناقة ولا جمل، بل خسرنا حريتنا ولم نتحرر حتى من بؤس انفسنا وضياعها، فقد خضنا كثيراً بأحاديث الاستعمار وألصقنا التهم لكل من يتكلم ببضع كلمات مادحاً بريطانيا وامريكا وان كان صديقاً أو جاراً وإن كان اخاً،هكذا نحن لم نكن نرى آخر يمكن ان يقدم النصح أو ينبهنا لما نحن عليه، فقط نغلق كل النقاشات ونتعصب ونثور بوجه كل من يحاول توضيح طبيعة ما حصل وسيحصل من علاقات دولية
وكيف كانت تُدار وموقع العراق فيها، نتهمه بانه مع الاستعمار والامبريالية وفي أعوام سادت مفردة كولنيالي وتداولت كثيراً على ألسن المثقفين والمتحزبين وفي المقابل كان المديح يسود وبمديات واسعة للمقاوم والمقاومين والثوار، ووضعنا تفسيرات وتحليلات لوضعنا البائس على أنه بسبب الاستعمار، إلى درجة استهلكنا الكلمة لنملها ونمل تداولها، فكلما بحثنا لم نجد للاستعمار علاقة بصراعنا الطائفي ولا صراعاتنا الحزبية والعشائرية، انما هي من انتاجنا المحلي فحسب، فهل لهذه
الذرائع تاريخ؟، لنُحاول اكتشاف ذلك اعتقد: انه ومع نمو الرفض للاحتلال البريطاني للعراق واستعماره بلدنا بدأت تتكون جبهات تداولت المفردة بين وطني صادق بنعته للآخرين، وبين مستغل لها لأسقاط مناوئ ولإسقاط حكومة كانت تجيد العمل أو الاصطفاف، أو تحاول استغلال الظروف بعد ان وجدت نفسها في واقع
مفروض عليها، أو لم تجد امامها من وسيلة يمكن استغلالها لتحسين أوضاع البلد والنهوض به، هكذا كان نوري السعيد يرى الامور في تعامله مع بريطانيا وهو اكثر الشخصيات
التي لُصقت به اتهامات العمالة والكولونالية على
الرغم مما عرف عنه على انه ثعلب السياسة العراقية، فمن جانبهم اتهمه القوميون على انه ذيل الاستعمار الذي يقف في طريق الاماني القومية والتحرر والخلاص ممن احتل الوطن العربي وجاء بالصهاينة إلى فلسطين، مع العلم إن هذا الاتجاه كانت له صلات يمكن أن نقول عنها خدمة لمستعمر جديد، في ما لو كتب له النجاح في ادارة العالم، فقد تعاون بعض من قيادات حركة
مايس 1941 مع الالمان ومن ثم فضل بعضهم الخضوع لدعايات فرنسا وسياستها التي حاولت ازاحة النفوذ البريطاني من المنطقة، فمن سوريا كانت تُغذى بعض الاتجاهات القومية، التي رفعت شعارات العروبة والخلاص من الاستعمار إلى أن ركب الموجة نفسها جمال عبد الناصر ولسان دعايته اذاعة صوت العرب من القاهرة ليُسهم بإسقاط النظام الملكي، وكذلك أحسن الشيوعيون العراقيون استعمال مفردة استعمار وجيشوا الشارع مع العلم أن اغلبهم كان يتلقى التوجيهات من الاتحاد السوفيتي، الذي سعى لإزاحة النفوذ البريطاني من المنطقة، وهكذا استغلت مفردة استعمار لتحريك الشارع كما هو الحال اليوم، اذ يستعملها عازفو النغمة نفسها من يصفون انفسهم بالمقاومة، وبالتأكيد هناك دول خارجية ترعى تسويق المصطلح أو
المفردة.