هشام داوود
بدأت تحركات بعض الدول نحو بناء وتأسيس العلاقات التجارية الخارجية باستخدام عملاتها المحلية بدلا من الدولار، مع علم هذه الدول بأن هذه الخطوة التي تعرف بنظام المقايضة تعد الأمر الأكثر ازعاجاً بالنسبة للإدارة الأميركية ومستقبل دولارها، فخلال هذا الشهر (أي شهر أيار الحالي) تناقلت المحطات الإخبارية الاتفاق التجاري الإيراني مع الهند باعتماد العملات المحلية، وخلال الأسبوع الماضي تم توقيع اتفاق بين إيران واندونيسيا على التبادل التجاري وايضاً باستخدام العملات المحلية، وكان هذا ضمن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى العاصمة الاندونيسية.
ما هو السبب الرئيسي في الانحدار الغريب والسريع للهيمنة الأميركية؟ فأميركا اليوم لم تعد على ما كانت عليه في الامس، والجميع يتذكر كيف أن دول العالم كانت ترسم سياساتها وفقاً لما يلائم المزاج الأميركي، ولا يمكن لها في أي حال من الأحوال ان تجازف وتخاطر وتتعدى ذلك.
لكن الحال لم يعد كما كان في السابق، حيث بدأت دول كثيرة وخاصة الآسيوية برسم سياساتها كما تشاء هي، ووفقاً لما يخدم مصالحها هي دون اكتراث لرضا أو لغضب العام سام.
والأمثلة على ذلك كثيرة فقط في هذا العام أي (2023)، فهذه الصين على سبيل المثال قامت في شهر آذار الماضي بتسمية أحد جنرالاتها وزيراً جديداً للدفاع واسمه (لي شانغ فو)، الذي يخضع لعقوبات أميركية منذ عام 2018 حيث تمت معاقبة لي من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسبب اشرافه على عملية شراء الأسلحة الروسية بما في ذلك 10 طائرات من طراز (سوخوي- 35) ومعدات خاصة بمنظومة الدفاع الجوي(S-400).
إلا ان ذلك لم يكن مانعاً ولم يقف بوجه القرار الصيني، اذ تم التصويت عليه بالإجماع من قبل البرلمان في وقت تزداد فيه العلاقات المتوترة بين بكين وواشنطن، لكن لسان حال الصينيين وكأنه يقول (لم يعد الزمان زمان أميركا).
وفقاً لمواقع الاخبار العالمية إن واشنطن لم يصدر منها أي تصريح واكتفت بالقول بأنها ستراقب التعيين عن كثب بالنظر إلى خلفية هذا الوزير الجديد.
من جهة أخرى بدأت تحركات بعض الدول نحو بناء وتأسيس العلاقات التجارية الخارجية باستخدام عملاتها المحلية بدلاً من الدولار، مع علم هذه الدول بأن هذه الخطوة التي تعرف بنظام المقايضة تعد الأمر الأكثر ازعاجاً بالنسبة للإدارة الأميركية ومستقبل دولارها، فخلال هذا الشهر (أي شهر أيار الحالي) تناقلت المحطات الإخبارية الاتفاق التجاري الإيراني مع الهند باعتماد العملات المحلية، وخلال الأسبوع الماضي تم توقيع اتفاق بين إيران واندونيسيا على التبادل التجاري وايضاً باستخدام العملات المحلية، وكان هذا ضمن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى العاصمة الاندونيسية. إضافة إلى ذلك الاتفاقات الصينية الروسية بخصوص اعتماد اليوان الصيني مقابل الروبل الروسي، والاتفاقات الإيرانية الروسية لاعتماد الريال الإيراني مقابل الروبل، واتسع نطاق هذه الحالة ليشمل الارجنتين التي أعلنت هي وجارتها البرازيل عن نيتهما واستعداد بلديهما لإطلاق عملة مشتركة تسمى”SUR” وتعني الجنوب، والتي يمكن ان تصبح مستقبلاً شبيهة باليورو وتتبناها كل أميركا الجنوبية.
ما هو موقف الإدارة الأميركية؟
هذا هو السؤال الذي ينتظر جوابه كل مراقبي الاحداث العالمية، هل ستكون هناك حزمة عقوبات لردع هذه الدول؟ وهل ستستجيب الدول لهذه العقوبات، أم أنها ستحذو حذو الصين؟.
ولا يخفى على أي من الذين يراقبوا الشأن السياسي العالمي، بان المؤشرات لم تعد تشير إلى ان أميركا اليوم، وخصوصاً في ظل إدارة بايدن بنفس القوة التي كانت عليها قبل عقدين من الزمن، فمعارك روسيا وأوكرانيا من جهة والتي اثبتت عجز الإدارة الأميركية ومعها حلف الناتو على كبح جماح الخطر الروسي، والديون الأميركية التي تجاوزت سقف الثلاثين تريليون دولار بسابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ أميركا من جهة أخرى، ما يعني أن أميركا في أضعف حالاتها عسكرياً ومالياً. فكيف سينتهي الحال إذا ما أقدمت روسيا والصين وإيران على اصدار عملة رقمية، ويتم الاعتماد عليها كشرط أساسي للتعامل مع العالم ومقابل الدولار الأميركي؟ خصوصاً أن حصة احتياطيات الدولار الأميركي شهدت هبوطاً كبيراً وصل إلى 59 ٪ من اجمالي احتياطيات النقد الأجنبي عالمياً، وهذا أسوأ مستوى للعملة الأميركية منذ 25 عاماً. فهل هناك أمور واحداث ستجريها الإدارة الأميركية في قادم الايام لقلب الطاولة وإعادة الأمور إلى نصابها خصوصاً؟ ام أن آمال الأميركيين لا بد أن تبنى على فوز الحزب الجمهوري واستلامه الحكم من إدارة بايدن والحزب الديمقراطي.
وهل هي بداية النهاية التي نشرتها الصحف الالكترونية ووكالات الاخبار التي نقلت من خبراء ماليين دوليين أطلقوا هذه العبارة “بداية النهاية للدولار”، خصوصاً بعد الهبوط آنف الذكر لاحتياطي الدولار الأميركي في البنوك المركزية؟ ام ان أميركا ستشرب من الكأس ذاته، الذي طالما سقت به دولاً عديدة وإنها هي ستتم مقاطعة عملتها هذه المرة كنوع من أنواع فرض العقوبات. وفي كل الأحوال لا بد للسؤال الأهم ان يكون حاضراً، وهو هل لدى حكومتنا رؤيتها الخاصة واستعداداتها لكل الأحوال والسيناريوهات؟