عصام كاظم جري
قطعا أن لإقرار الموازنة المالية العامة الأولوية والصّدارة على بقية التشريعات والقوانين الأخرى، ولأبسط الأسباب أنها تتعلق بحياة ومصير ومستقبل المواطنين عامة، وبإقرار الموازنة تتم تنمية المشاريع الطبيّة والهندسيّة والبناء والإنشاءات، فضلا عن تنمية المشاريع التعليميّة والزراعيّة والصناعيّة وغيرها من مقومات العيش الكريم للمواطنين. لذا كفى بالأحزاب السياسيّة والكتل والتيارات من المناورات والمساومات السياسيّة والنفعيّة، كفى من الضغوطات والابتزاز الفاضح على حساب المواطن، كفى استهتارا بحياة المواطنين .
وحين يتم تشريع قانون انتخابات: (سانت ليغو) سيئ الصيت بهذا التسارع المفرط، وقبل إقرار مصالح الشعب هذا بحد ذاته يعدُّ استخفافا ومساومة، ولا ننسى إجازات بعض النواب في هذا الوقت الحرج بالذات، هو استخفاف واستفزاز آخر بمستقبل وحياة المواطن ، والسؤال البديهي.
متى يحترم البرلمانيّ عهوده التي قطعها أمام الملأ؟ ومتى يحترم خطابه وكلمته؟ وهنا لا أستهدف جهة معينة، وإنما الروح الوطنيّة والمسؤوليّة الانسانيّة تقف وراء هذا القصد. لقد عانى المواطن العراقي شتى أنواع العذابات، من تهجير وقتل وتجويع، وحروب لا طائل منها، وسرقة وفساد إداري ومالي. لذا كفى التلاعب بمصيره
ومستقبله.
لقد أصبحت الموازنة المالية اليوم ذات أهمية سياسيّة وأمنيّة واجتماعيّة وثقافيّة، في معظم الدّول ذات الأنظمة النيابيّة البرلمانيّة المتقدمة،
ولم تعدّ مجرد لائحة أرقام ومصروفات خارجة وإيرادات داخلة. وبلا أدنى شك الموازنة السنويّة هي المرايا الواضحة لسياسة الدّولة اقتصاديّا وأمنيّا واجتماعيّا وثقافيّا ،
لما لها من أثرٍ كبيرٍ على تشكل طبيعة الحياة بشكل عام، وتعدُّ عامل دعم وتعافٍ للدّول، وأحيانا أخرى تعدُّ إداة كافية لانهيار الأنظمة الحاكمة .
وقد عُرف عن الموازنة العامة في معظم الدّول أن تقوم السّلطة التنفيذيّة بتحضير الموازنة العامة، ثم عرضها على السلطة التشريعيّة بغية دراستها، واعتمادها فإذا وافقت عليها صدر قانونها رسميا، ويُعرف هذا القانون عالميّا بقانون اعتماد الموازنات العامة للدّول، أما الموازنة في حدّ ذاتها تعدُّ جزءا من العمل الإداري للسلطة التنفيذيّة وبموافقة السلطات التشريعيّة .
ولكل الميزانيات العامة صفة قانونيّة وأصوليّة، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، ولا بأس أن تمرّ تلك الميزانيات العامة بمراحل ومستويات عالية من التدقيق والدراسة والفحص والمعاينة والمتابعة والاهتمام قبل صدورها من قبل السلطة التشريعيّة، ولا بأس أن تكون على شكل لائحة مفصلة بابا بابا، وتُعرض في وسائل الإعلام بغية أن تتم مكاشفة المواطنين بآليات صرف أموالهم .
حتما لا نريد للعراق اليوم أن يكون كما كانت عليه الحكومات السابقة، حيث تقوم بجباية الأموال وتنفقها دون أي مسوغ أو قواعد أو حكمة.
ولا نريد أن تكون أموال الدولة العراقيّة مرهونة بيد هذا الحاكم أو ذاك الحزب أو تلك المليشيا .
عندما صار اعتماد الإيرادات والمصروفات ضرورة من ضرورات العمل من قبل ممثلي الشعب، بدأت عملية ضبط الإيرادات، ومن ثم النفقات عالميّا، لا سيما في أوروبا حين ظهرت فكرة إعداد ميزانيات الإيرادات والنفقات للدولة.
والموازنة هي مالية الدولة بالمجمل. وقد استخدام لفظ الميزانية العامة لأول مرة في بريطانيا حسب المصادر، والمقصود بها مجموعة وثائق ومستندات مالية محفوطة في حقيبة الخزانة، ويعدُّ وزير المالية أو الخزانة مسؤولا في تقديمها إلى السلطات التشريعيّة بغية الموافقة على بنودها. بالمختصر هي مجموعة لإيرادات ونفقات الدولة لمدة زمنية قادمة عادة ما تكون لعام
واحد .