عباس الصباغ
ما بين انشاص (46) وبين جِدة (مايو 23) بون شاسع من التاريخ العربي الطويل، والمليء بالكوارث والحرائق القومية، والتي بقيت دون انطفاء رغم انعقاد (32) من القمم العربية، الكثير منها كانت طارئة أو عاجلة لكنها بقيت عصية عن
الحل.
مؤتمرات القمم سواء العادية (الدورية) منها ام الاستثنائية كان الهدف منها الحضور بأدنى مستوى، ومن ثم التقاط الصور التذكارية والخروج بتوصيات تبقى حبرا على ورق، وهي لم تساهم يوما ما في نزع فتيل اية ازمة أو حل نزاع ابتداءً بأيلول الاسود (73) يوم ذُبحت المقاومة الفلسطينية من الوريد إلى الوريد، جاءت بعده زيارة السادات إلى اسرائيل(77) وما نجم عنها من تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية وهي اكبر دولة عربية، مرورا بقضية اندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية (80 ـ 88)، ناهيك عن قضية احتلال الجزر الاماراتية من قبل ايران (71)، واخيرا لم تسهم اي قمة عربية في اطفاء الحريق الاكبر، الذي أدى إلى احتلال الكويت (90) من قبل نظام صدام وما نتج عنه من خراب شمولي، دفع ثمنه الشعب العراقي الثمن باهظا وما شهده من حصار دولي وأممي جائر، ولم تكن المآسي والكوارث التي عاشتها شعوب اليمن (2014) ولبنان (75ـ 90) والبحرين(2011) واخيرا ليبيا (2011) بعيدة عن أعين اصحاب القرار العرب، وما وقوف جامعة الدول موقف المتفرج امام الهجمة الداعشية الصفراء التي ادت إلى احتلال ثلث مساحة العراق ونصف مساحة سوريا (2014) الا دليل واضح على الفشل الذريع والعجز الواضح ازاء الجرائم، التي الحقها هذا التنظيم وقبله تنظيم (القاعدة) الارهابي (2006)ب هذين الشعبين العربيين المؤسسين لجامعة الدول العربية، والاكتفاء بالإدانة والتفرج فقط وهذا اضعف الايمان كحال القضية الفلسطينية (1948 ـ لحد الان ) التي لم تحصل من القمم العربية سوى على ديباجات استعراضية (انشائية)، وهذه لاقيمة لها ازاء الاستهتار الاسرائيلي المستمر منذ عام (48) تجاه اصحاب الارض (العربية) المغتصبة فلسطين في جميع بيانات الختام. ولكن!! و(لأول مرة) لم تخلُ قمة جدة 2023 من الاخبار المفرحة والمشجعة على الحد الادنى من التضامن العربي، منها خبر الاتفاق التاريخي الجيوسياسي والتاريخي بين السعودية وايران، وهو اتفاق سينعش المنطقة ويحقق الحد الادنى من الوئام والسلام ويشيع نوعا من الاسترخاء بين شعوب المنطقة، التي شهدت اجواء من التوترات والحروب بالوكالة وتضارب الأيديولوجيات، التي كلفت شعوبها كثيرا من حمامات الدم، والحدث الابرز هو عودة سوريا إلى مقعدها الذي غُيبت عنه حوالي 12 سنة نتيجة الشحن السيا/ طائفي وممالأة قوى الارهاب، وهو ما شجعت عليه القمة في مسعى للمّ الشمل، وفي المسعى ذاته محاولة جادة لرأب الصدع الحاصل في السودان واطفاء الحرائق المشتعلة فيه، نتيجة للاقتتال الدائر بين ابنائه حاليا، والمفاجأة الكبرى هو حضور الرئيس الاوكراني زيلينسكي كضيف شرف لوقائع المؤتمر، طمعا في ايجاد حل لقضية بلاده، وكان الاجدر حضور الرئيس الايراني رئيسي والتركي اردوغان لرسم تصور عام عن المنطقة ومشكلاتها، وهي كثيرة لاحصر لها، فهل ستكون قمة جِدة خارطة طريق للم الشمل الذي عجزت عنه 32 قمة عربية.