صباح محسن كاظم
من ريادة وطفولة الحضارة، ملازمة ومرافقة ومصاحبة المياه لبلاد ما بين النهرين طوال وجودها الحضاري. فلم يتوقف الجريان من المنبع إلى المصب بتاريخ البلاد، حتى أن جميع علماء الأنثروبولوجيا والتاريخ يؤكدون: أن الحضارات لا تقام إلا جوار الأنهار.. فالماء سر الحياة والوجود. من أسوأ وأبشع الجرائم ضد الإنسانية والوجود قطع المياه، حيث تتوقف الحياة برمتها، فبدل خضرة الأرض تتحول إلى يباب، وتهاجر الطيور موطن الدفء بعد القدوم بأسرابها من سيبريا ومناطق الصقيع باتجاه العراق، لتشكل لوحات رائعة بأجواء الفردوس الأرضي وجنة عدن أهوارنا المباركة..
بينما تنفق الأسماك والثروة الحيوانية بالجفاف، فضلاً عن تصاعد الغبار والأتربة، حين التصحر بسبب قلة الغطاء النباتي هذا ما يحصل بالعراق.. فقد عرضت القنوات الفضائية قبل مدة ما لا يَسُر الناظر ويحبس الأنفاس بظهور (جزرات وسطية) داخل مجرى دجلة، الذي كان يهدر بأمواجه متوجهاً للقاء الفرات بكرمة علي ببصرة الخير، ليشكلا شط العرب بوابة العراق المائية على الخليج العربي.
ليس من المنطق السياسي ما تفعله تركيا الجار المسلم لا يبيح أي دين أو بروتكول أو معاهدة ومذكرة لقطع المياه، بهذا الشكل اللا إنساني عن وطننا المقدس.. التحرك الأممي والدولي للضغط على تركيا وفق حقوق الدول المتشاطئة، مع التلويح بقطع التجارة ودعم من يناهض تلك السياسات بجميع المجالات.
هل من الإنصاف عدم تقاسم الضرر بعصر التغيير المناخي والجفاف بين جارين؟
مع ذلك لن تتضرر تركيا في ما لو أنصفت جارها التاريخي، فلا يعقل أن يمنح العراق المياه لدجلة لمدة - شهر- لم يحصل بتاريخ الشعوب أن تحجب الأنهار لمدة 11 من الشهور القاسية بالظمأ وتهدى لشهر.. أي قسمة ضيزى؟
الأعراف الدولية والتشريعات القانونية تستوجب تنفيذ موقفها لصالح بلاد ما بين النهرين موطن الحضارات.. الأمم المتحدة.. الجامعة العربية.. وواجب الولايات المتحدة الأميركية الضغط على تركيا بعد الاتفاق الستراتيجي بين العراق والمحتل، فالواجب أن تدفع تركيا لتنصاع لمطالب الشعب العراقي ومناشاداته اليومية بمنح العراق حصته المائية، بعد أن كانت النسبة تصل إلى أكثر من 600 متر مكعب بالثانية انخفضت إلى أقل من الربع.
كل المؤشرات تؤكد أن إثارة الحروب بالعالم ستكون دوافعها أزمة المياه المُرعبة، التي تهدد بالجفاف، التصحر، قلة المياه الصالحة للشرب كما بين مصر واثيوبيا بمشكلة سد النهضة، ومحاولات الصهاينة يانتهاك نهر الأردن والليطاني وأنهار لبنان، والأكثر ضراوة وضرراً بالعراق، بسبب حجب المياه من تركيا وروافد إيران.
في مؤتمر بغداد الأخير عن المياه والتنمية أكد رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني تكاتف وتآزر وتعاون العرب والجوار بملف المياه فالضرر على العراق كبير.
المشكلة الأخطر التي تواجه التنمية والزراعة وحاجة السكان للمياه الصالحة للشرب تنذر ببارقة خطر بأزمة
المياه.
لعلّ مشروع الكاب ومليء سد أليسو مع أكثر من 466 سداً شيدت تركيا على دجلة والفرات من مطلع التسعينييات يفاقم أزمة المياه ببلد الحضارات، لكن أخطرها مشروع الكاب الكبير، وسد اليسو الذي يحتاج أكثر من 14 مليار متر مكعب لملء السد، وبالتالي يؤثر سلباً بالزراعة ومياه الشرب بالعراق.
تناقص المياه في دجلة جعل بعض مناطق النهر (ساحات لكرة القدم) داخل مجرى دجلة.. أي مأساة تلك؟
كذلك جفاف الأهوار فردوسنا الأرضي مأوى الطيور والثروة الحيوانية والزراعية مجدداً له التاثير السلبي البيئي المروّع.