باسم محمد حبيب
البعض من الأدباء والفنانين يربط نجاحه بكثرة قرائه أو مستمعيه أو مشاهديه أو معجبيه، والأمر ذاته ينطبق على بعض الحكومات، التي قد تحصر واجباتها الثقافية بتنظيم المهرجانات والملتقيات وما إلى ذلك، حتى أن بعضها يقيم المهرجانات الفنية في وقت لا يوجد فيه أدنى اهتمام حكومي فعلي بالفن ونشره وتطويره، والأمر ذاته ينطبق على المهرجانات والملتقيات الأخرى، كمهرجانات السينما والمسرح، أو الملتقيات الخاصة بالرسامين والنحاتين والشعراء والروائيين وكتاب القصة والنثر وغيرهم. إن من الضروري قبل كل شيء إدراك أنه لا قيمة لوجود شعر، من دون وجود من يؤمن ويتأثر به، وليس فقط من يستمع له وينبهر به انبهارا شكليا، ولا قيمة لوجود فن من دون رسالة، يبعثها هذا الفن ليتلقاها الناس فيتأثر سلوكهم بها، ولا قيمة لوجود مسرح ودراما وموسيقى، من دون أن يكون هناك من تتأثر دواخله بها، والأمر ذاته ينطبق على ما تنظمه الحكومات من مهرجانات وملتقيات ثقافية، فهي لن تكون ذات قيمة، إن لم تنعكس تأثيراتها على الواقع المبتلى بمختلف الأمراض الإجتماعية كالجهل والتخلف والتأخر وانتشار العادات والتقاليد البالية والمتخلفة والسلوك العنيف والمعادي.
فأهم واجبات الثقافة: هو معالجة العلل والأمراض الاجتماعية، ومكافحة القيم والعادات المتخلفة والبالية، لأنها هي من تخلق الأزمات السياسية والاقتصادية، وهي من تعيق التقدم والتطور، فسواء كان الفن والأدب للفن أو للأدب أو للحياة، فأنهما إن لم يكونا فاعلين ومؤثرين جماليا وذوقيا ونفسيا، فأنهما لن يكونا عنصرين إيجابيين في الحياة والواقع، لا بل إنهما سيكونان عنصرين سلبيين أيضا، لأنهما سيبثان صورة مضللة عنهما.
ولعل العراق بحاجة لكل ما يدعم بناءه وتطويره، والثقافة هي عنصر مهم في ذلك، فما أحوجنا لفن يرسخ القيم الوطنية، ويكافح الآفات الاجتماعية، وينمي القيم الذوقية والجمالية، وما أحوجنا لأدب يعري العادات والتقاليد البالية، وبفضح السلوكيات الخاطئة والمسيئة، وهو أمر يتطلب تكثيف الاهتمام بهذه الجوانب، ليس فقط من خلال إنشاء بنى قادرة على احتواء الانشطة الثقافية، بل وتوجيه هذه البنى لصناعة واقع يعزز السلام والوئام، ويؤسس لعلاقات متينة بين أبناء البلد، ويقوي المشتركات التي تجمع بينهم، ويحارب العصبية والعنصرية والطائفية والفئوية، التي ما زالت تنخر بالمجتمع وتخلق حواجز بين أبنائه.
فنحن بحاجة لثقافة تنزل إلى القاع، سواء كان قاع الشخصية وأعماق لا شعورها، أو قاع المجتمع بكل ما فيه من تشكيلات عشائرية ودينية وطائفية وعرقية ومناطقية وطبقية وغيرها، وهي تشكيلات ما زالت عصية على الانصهار والاندماج في بودقة واحدة هي بودقة الوطنية العراقية.