مطلوب مدبّرة منزل

الصفحة الاخيرة 2023/06/05
...

عبد الهادي مهودر



أصبح منظر اصطحاب مدبرات المنازل الأجنبيات أو الخادمات مألوفاً في الأماكن العامة والأسواق والمطاعم والنوادي، بعد أن كان وجودهن محصوراً بالخدمة داخل المنازل في المناطق الراقية من العاصمة بغداد، ويمكن اليوم مشاهدة الخادمة الأجنبية السمراء تسير خلف ربة المنزل وتحمل أغراضها أو تمسك بطفلها الصغير أو تقود كلب الأسرة المدلل، والقضية مبررة في حدود القدرة المالية والحاجة الماسة بسبب الوظيفة أو المرض والعجز عن إدارة وتنظيف المنازل الكبيرة، لكنها مقلقة للغاية عند تحولها إلى مظهر ترف ومباهاة وانشغال تام عن تربية الأطفال، وأغرب منظر شاهدته كان لخادمة تحمل طفلاً صغيراً باكياً خلف والدته التي تحتضن كلبها الأبيض الصغير وتلاعبه وتضمه بقوة إلى صدرها الحنون من دون اكتراث لصراخ طفلها!

وقريباً جداً ستكثر عناوين بحوث ودراسات طلاب مرحلتي الماجستير والدكتوراه عن الآثار الاجتماعية لاستخدام مدبرات المنازل الأجنبيات لدى الأسر العراقية، وتتبعها الآثار الاقتصادية ثم الآثار النفسية والتربوية والصحية والقيمية.

وفي السنوات الأخيرة ازدادت أعداد العمال والعاملات الأجانب الوافدين من الدول الآسيوية والأفريقية، لكونها عمالة رخيصة قياساً بمتطلبات وأجور العامل العراقي الذي لا يناسبه العمل في قطاع الخدمة لأسباب اعتبارية واجتماعية، وستكون للعمالة الأجنبية آثار سلبية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي إذا تجاوزت القوانين والحاجة والحدود المقبولة، فالإحصائيات المعلنة تشير إلى وجود أكثر من مليون عامل أجنبي والرقم مفتوح على كل التوقعات بوجود حالات تهريب إلى الداخل دون عقود وتراخيص عمل ما يجعل هؤلاء عبيداً لأرباب العمل بأجورٍ منخفضة إلى أدنى حد، وعلينا ألا نفاجأ إذا ما تفاقمت مشكلة العمالة الأجنبية المنفلتة وانفجرت هذه القنابل الموقوتة التي يقابلها ازدياد أعداد العاطلين عن العمل واستمرار الجامعات الحكومية والأهلية بتخريج آلاف الطلبة دون تقدير لحاجة السوق وتوفير لفرص العمل، ناهيك عن زيادة أعداد السكان والولادات والتباين الاجتماعي والطبقي ومظاهر الترف والعجز عن إدارة البيوت الكبيرة مقابل ضيق المساكن وصعوبة التنفس الطبيعي في البيوت الصغيرة المنشطرة الى أقل من خمسين متراً مربعاً، و بلغة الأرقام والإحصائيات والتوقعات والآثار المترتبة عليها فنحن أمام مشكلات اجتماعية مرتقبة واضحة للعيان بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والهروب من حلها ليس حلاً وكل مشكلة ستولّد مشكلة أخرى ما لم نستورد العمالة الأجنبية على قدر الحاجة فقط وما لم تكن مدبّرات المنازل على قدر الحاجة الأساسية وليست للأغراض الكمالية، ومن حقك أن يكون لديك مدبّرة منزل وكلب صغير، على ألا تكون مدمرة لمنزلك، وعلى أن يتربى طفلك الصغير في حضن أمه وتضمه بقوة إلى صدرها الحنون.