سالم مشكور
حكومة أردوغان الجديدة حظيت باهتمام كثير من المحللين المتابعين للشأن السوري، كما هي الانتخابات التي منحت الرئيس التركي خمس سنوات جديدة في الحكم.
الشأن التركي ليس تركيًا خالصًا، بل هو يرتبط بملفات إقليمية وأخرى أبعد تتعلق بعلاقاته ضمن الناتو، وثنائيا مع روسيا من جهة وأميركا من جهة أخرى.
الوضعان الداخلي والخارجي لتركيا يتأثران ببعضهما بشدة.
السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً داخلياً على صعيدين: سياسي عبر تراجع حظوظ حزب العدالة والتنمية مقابل تزايد حظوظ معارضيه، وهذا ما كشفته الانتخابات الأخيرة، واقتصاديًا: من خلال تراجع قيمة الليرة التركية وازدياد معدلات التضخم.
لم يأتِ ذلك من عوامل داخلية، بل أغلب الأسباب كانت تعلق بالسياسة الخارجية لتركيا.
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002، بدأت تركيا مسيرة صعود اقتصادي واضحة، اقترنت بسياسة خارجية راهنت على علاقات تركيا العربية والإسلامية،في ما أسماه منظّر الحزب السابق أحمد داوود أوغلو بالعمق الاستراتيجي.
نظريته هذه بدأت بالحديث عن تصفير الخلافات مع دول هذا العمق، لكن سرعان ما كشف التطبيق عن تصفير كثير من هذه العلاقات بدل تصفير الخلافات، وبدا واضحاً أن “العمق الاستراتيجي” ليس سوى غطاء لإحياء العثمانية بثوب جديد، في تطوير لفكرة سبق وطرحها الرئيس التركي الأسبق تورغوت أوزال تقوم على بناء منطقة نفوذ لتركيا، تضم دول الإمبراطورية العثمانية المنقرضة.
لم يقف التحرك الخارجي التركي عند النفوذ السياسي والاقتصادي، وكسب الشارع العربي السني، من خلال تنظيم الاخوان المسلمين، بل تطور الى تدخل عسكري مباشر أو عبر دعم تنظيمات متطرفة وارهابية، آخرها داعش التي اتخذت من تركيا ممراً آمناً لها باتجاه سوريا والعراق.
بل إن التدخل وصل إلى الوجود العسكري المباشر في العراق وسوريا ثم ليبيا لاحقاً.
عراقياً كانت حصتنا كبيرة من سياسة تصفير العلاقات، من خلال التدخل السياسي في الساحة العراقية، بدءاً من دعم سياسيين عراقيين، مرورا بدور القنصلية التركية في الموصل المستمر حتى اليوم، ووجود عسكري في عمق الأراضي العراقية في أكثر من ثلاثين منطقة، تتراوح بين نقطة عسكرية ومعسكر ثابت، وتسهيل مرور عناصر داعش الى داخل الأراضي العراقي مباشرة أو عبر الأراضي السورية، وازدراء السيادة العراقية من خلال إقامة علاقات سياسية ونفطية مباشرة مع إقليم كردستان العراق خلافا للدستور العراقي.
ساعد في هذا الدور التركي ضعف عراقي وتفكك سياسي وغياب قيادة تستخدم أوراق الضغط المتوفرة لديها في تحقيق التوازن في العلاقة مع أنقرة.
العراق سوق كبيرة للبضائع التركية بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً، وميدان عمل لمئات الشركات التركية المرتبطة بحزب العدالة الحاكم.
بعد سنوات من فشل تصفير العلاقات التركية الإقليمية، بدأت تركيا تستعيد علاقاتها مع بعض الدول، خصوصا مع مصر وسوريا ودول خليجية مثل السعودية والامارات، بينما تحولت روسيا، خصم تركيا في سوريا، الى صديق لأنقرة.
الاقتصاد التركي كان شديد التأثر بالسياسة الخارجية، رغم محاولات تنشيطه.
تركيبة الحكومة التركية الجديدة تفصح عن توجّه لإصلاحات اقتصادية، من خلال اعتماد مجموعة اقتصاديين، بينهم نائبه جودت يلماز وآخرون، أما السياسة الخارجية فتسلمها رسميا مدير المخابرات، الذي كان المدير الحقيقي لهذه السياسة في سنوات تصفير العلاقات ثم محاولات استعادتها.
ماذا عنّأ؟
هل سنبقى على الضعف ذاته في التعامل مع تركيا؟.